الجمهور الذين قالوا بأنما دخل إلى المعدة يفطر الصائم به ولو كان مما لا يطعم ولا يتحلل استدلوا على ذلك بعدد من الأدلة من هذه الأدلة أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه نهى عن الاكتحال للصائم " وقالوا إذا اكتحل الإنسان فإن جزءا منه يصل إلى البلعوم ثم مع الريق ينزل إلى المعدة والكحل ليس مما ينتفع به البدن فهذا دليل على أنه يفطر بما وصل إلى المعدة سواء أكان نافعاً أو لم ينتفع به البدن لكن هذا الحديث حديث منكر لا يصح. الأمر الثاني قالوا أن ابتلاع الحصاة يسمى أكلاً وبتالي يدخل في النصوص الشرعية كما في قوله تعالى {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} فهؤلاء يقولون: إن هذا أكل لكن أصحاب القول الثاني يقولون هذا هو محل النزاع وأهل العلم يقولون: ما يصح الاستدلال على الخصم بمحل النزاع فنحن لا نسلم أن هذا أكل الأكل إنما هو لما يطعم أو يشرب ولهذا الأكل والشرب ورد في الآية والنبي صلى الله عليه وسلم هو المبين لكتاب الله تعالى وقد قال: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ. رواه مسلم

فالحديث يدل على أن الأكل إنما يعد أكلاً مفطراً إذا كان مطعوماً أيضاً استدل الجمهور بماصح عن ابن عباس _ أنه قال " إنما الفطر فيما دخل لا فيما خرج "وهذا وإن ثبت عن ابن عباس _إلا أنه مقيد كما قيدت الآية لأن الفطر فيما دخل مما يطعم مما ينتفع به البدن مما يتقوى به البدن لأن الحكمة من مشروعية الصيام هو- حبس النفس عن شهواتها وكسر حدتها وتضييق مجاري الشيطان وهو الدم فيها وهذا إنما يحصل بترك المطعومات أما غير المطعومات فدخولها للبدن لا يقوي البدن ولا يوسع مجاري الشيطان فيه.

القول الثاني وهو قول بعض المالكية وشيخ الإسلام ابن تيمية «الذين قالوا إنه لا يفطر بما دخل إلى المعدة إلا أن يكون مطعوماً أو مشروباً يتحلل فينتفع به البدن فقالوا لأن هذا هو الحكمة من الصيام لأن الحكمة من الصيام هي منع البدن في هذا الوقت من الطعام والشراب الذي يحصل به تقوي وأنتم تعرفون أن النفس إذا شبعت حصل لها الأشر والبطر وهذا أمر مشاهد فإذا جاعت انكسرت حدتها وسورتها وذهب الأشر والبطر وما يحصل من المعاني التي تنافي العبودية، والذل والخضوع لله عز وجل يحصل بالإمساك عن الطعام والشراب ويحدث عكسه بتعاطي الطعام والشراب الذي يتقوى به البدن أما تعاطي الحصاة أو خرزة أو نحوه فإنه لا يؤثر في ذلك ولهذا قال أصحاب هذا القول إنه لا يفطر إلا إذا وصل إلى المعدة شيء مما يتحلل وينتفع به البدن ويتقوى وهذا القول رجحه الشيخ أحمد الخليل في كتابه المفطرات المعاصرة وهو الذي يظهر إن شاء الله.

بعد ذلك نأتي إلى مسألتنا وهي مسألة المنظار هل يفطر به الصائم أو لا يفطر؟

فنقول المنظار له حالتان:

الأولى: هي أن يقوم المعالج بوضع مادة هلامية أو مادة دهنية أو نحو ذلك على هذا المنظار من أجل تسليك وتسهيل عملية دخوله أو يضخ الطبيب عبره محلول الملح ونحوه لإزالة العوالق عليه لتسهيل عملية التصوير وحينئذٍ نقول: إنه يفطر الصائم بذلك لأنه وإن كان المنظار لايتحلل ولاينتفع به البدن إلا أن تلك المواد يمتصها البدن ويحصل له بها نوع انتفاع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015