ثم جعلت الشريعة رخصاً لمن كانت معه نساء أو ضعفة ليست لغيره، كالدفع من مزدلفة بليل فقد رويت فيه أحاديث صحاح ومن ذلك حديث عبد الله مولى أسماء عن أسماء أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة فقامت تصلي، فصلت ساعة ثم قالت: يا بني هل غاب القمر؟ قلت: لا. فصلت ساعة ثم قالت: يا بني هل غاب القمر؟ قلت: نعم. قالت: فارتحلوا فارتحلنا ومضينا حتى رمت الجمرة ثم رجعتفصلت الصبح في منزلها، فقلت لها: يا هنتاه! ما أرانا إلا قد غلَّسنا، قالت: يا بني إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن للظعن (?). والأحاديث في هذا معروفة وقد رخص بها جمع من أهل العلم للنساء في الرمي والطواف قبل طلوع الشمس.

ومن مراعاة الفقهاء لأصل المنع من الاختلاط في الشريعة استحبابهم للمرأة ما لم يستحبوا للرجل من نحو طوافها بعيدة عن البيت (?)، ورخصوا لها في تأخير طواف القدوم إلى الليل خشية الزحام (?).

ومع هذا فقد صرح أهل العلم قديماً وحديثاً بأن الاختلاط غير المنضبط بما يعصم من الفتنة منكر لا يجوز، قال ابن جماعة في منسكه الكبير:"ومن أكبر المنكرات ما يفعله جهلة العوام في الطواف من مزاحمة الرجال بأزواجهم سافرات عن وجوههن، وربما كان ذلك في الليل، وبأيديهم الشموع متقدة ... " إلى أن قال: "نسأل الله أن يلهم ولي الأمر إزالة المنكرات"، قال ابن حجر الهيتمي بعد أن نقله: "فتأمله تجده صريحاً في وجوب المنع حتى من الطواف عند ارتكابهن دواعي الفتنة" (?)، وتأمل كيف عد كشفهن عن الوجه -ولايتصور من المحرمة الطائفة غير كشف الوجه والكفين، لا يظن بهن تبرجاً أو تهتكاً ومجوناً- مع إيقاد الشموع ولو بصحبة الأزواج من أسباب الفتنة.

وقد نص بعض أهل العلم على كراهة الطواف مع مطلق الاختلاط قال محمد بن إبراهيم بن فرحون المالكي في المسائل الملقوطة عن والده أنّه يكره الطواف مع الاختلاط بالنساء (?).

ومن مراعاتهم للمنع من الاختلاط في النسك قولهم: لايستحب لها أن تزاحم الرجال لاستلام الحجر الأسود (?).

قال ابن جماعة: "ولايستحب لها تقبيل ولا استلام مع مزاحمة الرجال، ولا يستحب لها الصلاة خلف المقام، أو في غيره من المسجد مزاحمة للرجال، ويستحب لها ذلك إذا لم تفض إلى مخالطة الرجال. وهذا مما لايكاد يختلف فيه؛ لما يتوقع بسببه من ضرر" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015