القول الرابع: إنّ جدة ليست ميقات مطلقاً، وممن قال به أعضاء مجمع الفقه الإسلامي في الدورة الثالثة (?).
ثالثاً: أدلة الأقوال:
أدلة القول الأول:
الدليل الأول: ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال (لما فتح هذا المصران -أي الكوفة والبصرة - أتوا عمر فقالوا ياأمير المؤمنين إن رسول الله حدّ لأهل نجد قرناً وهو جور عن طريقنا وإنّا إن أردنا قرناً شق علينا فقال انظروا حذوها من طريقكم فحدّلهم ذات عرق) (?).
وجه الدلالة منه: أن القاعدة في تحديد المواقيت غير المنصوص عليها هي المحاذاة وحدّها أن تكون مسافة المحاذي والمحاذي به عن مكة متساوية، أو يكون الموضع المحاذي واقعاً بين ميقاتين على خط واحد.
فتبين بذلك أن مدينة جدة ميقات مكاني؛ لأنها محاذية لميقاتي الحجفة ويلملم حيث تقع بينهما، وهي جميعاً على خط واحد، كما أن مسافة جدة عن مكة مقاربة لمسافة يلملم عن مكة فيتحقق بذلك معنى المحاذاة في جدة.
وأجيب: بأن ما ذكرتموه من أنّ القاعدة في تحديد المواقيت غير المنصوص عليها هي المحاذاة صحيح لكنّ حَد المحاذاة الذي ذكرتموه لا يسلم بإطلاق، فتفسيركم المحاذاة بالمعنى الثاني وهو كون الموضع المحاذي واقعاً بين ميقاتين على خط واحد، فهذا غير مسلم لغة وشرعاً، وذلك أن كلمة "حذا" في اللغة لا تدل على تسمية المكان الواقع بين مكانين محاذياً. (?) ولو صح هذا المعنى لغة، فإنه لا يصح شرعاً لأنه سيؤدي إلي أنّ أي مكان واقع بين مكة والمدينة يسمى محاذياً للمواقيت، فيجوز الإحرام منه؛ لأنه يصدق على مكة اسم مكان كما يصدق هذا الاسم على المواقيت أيضا (?).
ثم إن هذا التفسير للمحاذاة وهوكون المكان واقعاً بين ميقاتين على خط واحد مخالف لتفسير أهل العلم كما تقدم بيانه (?).
وأما المعنى الأول للمحاذاة وهوكون مسافة المحاذي والمحاذى به عن مكة متساوية فصحيح، إلا أن تنزيله على مدينة جدة وكونها محاذية للجحفة (?) أو يلملم (?) غير صحيح، وذلك لأن مسافتها عن الحرم متفاوتة وليست سواء، فمسافة جدة عن الحرم تقارب سبعين كيلاً، بينما مسافة الجحفة عن مكة تقارب مائة وسبعة وثمانين كيلاً، ومسافة يلملم عن مكة أربع وتسعون كيلاً (?)، فكيف نقول بالمحاذاة وهي تساوي بعد المكانين عن الحرم مع هذا التفاوت الظاهر، كما أن جدة تقع في جهة أخرى غير جهة يلملم.