ويدخل في هذا النوع أيضا إرادته جل وعلا أن يبتلي عباده بالخير والشر وأنواع المصائب، حتى يظهروا الصبر على ما أصابهم منه، والرضى به، والفرار إليه، والربّ جل وعلا يحبّ أن يعظم، وكل ما ازداد تعظيمه جل وعلا، وتقديمه على كل شيء حبًا فيه، وخوفًا منه، وكلما ازداد إظهار الخضوع له، ازداد تقرب العبد من ربه، ورفعة عنده، وكل ما كانت العبادة أكثر في إظهار التعظيم للرب جل وعلا، كانت أكثر حبًا له، وأكثر قربًا منه، وانظر إلى الصلاة التي هي عمود الإسلام، والفاصل بين الكفر والإيمان، كلها تعظيم له جل وعلا، ومن أهم أركانها التي تقرأ فيها الفاتحة التي يقول الله جل وعلا فيها قسمت الصلاة بيني وبين عبدين قسمين فإذا قال عبدي الحمد لله رب العالمين قال الله جل وعلا حمدني عبدي، فإذا قال الرحمن الرحيم قال أثنى علي عبدي.

ومن أمثلة أدلة هذا النوع ما يلي:

(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ {31}) سورة محمد.

قال ابن كثير أي لنختبرنكم بالأوامر والنواهي، وقال ابن عباس رضي الله عنهما في مثل هذا: إلا لنعلم أي لنرى.

(وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ {7}) سورة هود.

(تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {1} الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ {2} سورة الملك.

(وَلَوْ شَاء اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ {48}) سورة المائدة.

ومن أمثلته كذلك:

(وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ (143)) سورة البقرة.

ويدخل في هذا النوع كذلك تلك الآيات الكثيرة التي تدل على أن الله وعد من استجاب لأمره بالنعيم المقيم، وأوعد من تمرد على سلطانه بالعذاب المقيم، وكذلك الآيات التي تشير إلى أن الله أراد من خلقه للخلق أن يعذب العاصي وأن يثيب المطيع، ومنها:

(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا {72} لِيُعَذِّبَ اللَّهُ المنافقين وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {73}) سورة الأحزاب.

وإذا تأملنا هذه الآية وما قيل في تفسيرها، لوجدنا أن الله خلق الخلائق كلها من أجل أن يعذب ذك ويثيب هذا، واللام هنا للتعليل كما نص عليه جماعة من المفسرين.

وإذا كان هذا أهم مقاصد الشريعة الدنيوية، وهو مرافق للمقاصد الشريعة الأخروية، فإن مواقف المسلمين وحراكهم السياسي يجب أن يراعي منزلة هذا المقصد بين المقاصد الأخرى، وأي مناورة سياسية تغفل هذا فإن الله لن يكتب لها نجاحًا، لأنها أهملت إرادة الله جل وعلا، ومحبوبه، فأنى يكتب الله لها التوفيق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015