أين أخطأ المقاصديّون الجدد في نظرتهم إلى مقاصد الشريعة (2/ 2)

المقال الثاني: مقاصد هم، ومقاصد القرآن الكريم

د. هيثم بن جواد الحداد

Haitham1234@hotmail.com

25 رجب 1431

فيما يلي عرض للمقصدين الأولين بحسب الاستقراء الكلي لنصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة:

أما المقصد الأول: وهو ما أراده الله لذاته العلية، بأن يعبد وحده لا شريك له، فيعظم، ويرهب من جانب، ويحب ويطلب من جانب آخر، وأدلته في القرآن الكريم أكثر من تحصى، لكني سأقتصر منها على يفيد العلية والسبب، أو الغاية والحكمة.

فمن أهم آيات القرآن الكريم (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) وقوله (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء)، و (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)، وهذه الآيات وما في معناها تفيد الحصر، مما يقطع القول بأن هذا المقصد هو أعظم المقاصد وأهمها.

ومن أساليب القرآن الدالة على هذا المقصد، ما ورد في عدد من النصوص التي تفيد أنّ الله أراد من خلقه للخلق وشرعه للشرائع، وإرساله للرسل، وأفضلهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أن تظهر وحدانيته بالإلهية، والربوبية، ويظهر أمره فوق كل أمر، وسلطانه فوق سلطان، قال الله تعالى:

(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ {33}) سورة التوبة.

وفي معناها آيتان أخريان، ومن أمثلة أدله هذا النوع من الأساليب أمر الله بالقتال من أجل أن يظهر دينه على الدين كله، قال الله تعالى:

(وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {39}) سورة الأنفال.

فالله جل وعلا أمر بالقتال في سبيل الله، وهو من أجلّ ما أمرت به الشريعة بعد التوحيد، وكذلك هو أشقّ ما أمرت به الشريعة، لتحقيق هذه المقصد العظيم

(إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا {8} لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا {9}) سورة الفتح.

(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا {12} سورة الطلاق.

(جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {97}) سورة المائدة.

ومن الأساليب الدالة على هذا المقصد كذلك تلك الآيات والأحاديث التي تدل على أنّ الله جل وعلا أراد أن يبتلي عباده بالتكاليف التي أهمها إظهارهم خوفهم له وأنه فوق كل خوف، وحبهم له وأنه فوق كل حب، وكذا الخضوع والذل والانكسار بين يديه، ثم الرغبة إليه، والتوجه والالتجاء إليه دون غيره، وبمعنى آخر عبادته وحده لا شريك له.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015