محمد بن شاكر الشريف
9شوال1431هـ
يراد بالفتوى الإخبار بالحكم الشرعي أو بيانه في الواقعة المرادة، والفتوى تقوم بمهمة تأسيس العقائد والمعارف، كما تقوم بمهمة تغييرها وتعديلها، ولها من التقدير والتبجيل عند مجموع الأمة المسلمة ما يعطيها المكانة العالية والقمة السامقة التي لا يكاد يدانيها شيء في ذلك.
ومنصب الفتوى منصب عظيم لمن قام بحقه إذ المفتي مخبر عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم بما يحبه ويرضاه أو بما يكرهه ويبغضه، ومن كان متفقها في الدين فهو ممن أراد الله به خيرا كما قال الرسول الأمين: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" كما أن المفتين الفقهاء هم سادة الأمة الذين يرجع الناس إليهم ويفزعون إليهم في الملمات، حتى يطلق عليهم بعض أهل العلم لقب "الموقعون عن رب العالمين" من أجل ذلك اعتمدها الصلحاء وأهل الخير لتصحيح العقائد ومقاومة الانحراف السلوكي والفكري، واستعانوا بها في تحقيق مرادهم من أقصر طريق.
وفي الجانب المقابل اعتمدها أهل السلطان في تدعيم سلطانهم، من أجل ذلك قربوا إليهم من أهل العلم والفتوى من يرون تعلقه بالدنيا وأعطوهم من حطامها الفاني الذي مهما كثر فلن يدوم وأعطاهم أولئك في مقابل ذلك الفتاوى التي تؤيد مسالكهم والتي يتحصنون بها في مواجهة معارضيهم ومنتقديهم، كما اعتمدها أهل الأهواء في التلبيس على العامة لنشر بدعهم وضلالاتهم.
كما اعتمد عليها أعداء الأمة والملة لاختراق المجتمعات وتغيير القناعات وإفساد العقائد والتصورات والسلوكيات، وقد ساعدت التقنيات الحديثة والتطور الهائل في وسائل الاتصال لإحداث طفرة غير مسبوقة في هذا المجال، فما أن تصدر فتوى في جانب من المعمورة إلا ونجد صداها يتردد بين جنباتها الأخرى.
وفي ظل مجتمعات مسلمة تتقيد بالأحكام الشرعية وترى في ذلك حياتها وحيويتها، تكون الفتوى الشرعية من أكبر العوامل التي تسهم في تغيير المجتمعات ونقلها من طور إلى طور.
عندما تكون الفتوى متقيدة ومنضبطة بالنصوص الشرعية والقواعد الفقهية والمنهج الصحيح في الفهم والاستنباط، يكون التغير منطقيا متفاعلا مع الواقع ويتم ذلك في سلاسة من غير طفرات، لا يشعر الناس معه بقطيعة مع ما كان سائدا، بل يراه متماشيا معه حتى وإن خالفه؛ لأن كليهما صادر عن المرجعية نفسها ومن خلال المنهج نفسه.
وعندما تكون الفتوى انتقائية هوجاء لا هدف لها سوى تغيير المفاهيم، أو التناغم مع مؤثرات دخيلة، وليس استجابة لواقع ببيان حكمه، يكون التغيير حادا يشعر الناس معه بقطيعة فكرية ووجدانية مع ما كان سائدا، وربما يظهر بجانبه خطاب التبديع أو التفسيق لما كان سائدا، وربما التكفير (في الفتاوى الغالية)، وتكون الفتوى في هذه الحالة هي المنشئة للواقع، بحيث تقحمه في حياة الناس إقحاما، ويكون من نتيجة ذلك تتذبذب القناعات عند كثير من الناس ليس بالتشكك فقط فيما كان سائدا، بل ربما بالاقتناع بالجديد المغاير والدفاع عنه ومحاولة الاستدلال له بالعقل والنقل ودعوة الناس له، فينتج من ذلك فساد عريض في الحياة العلمية والعملية، ويكثر الحديث والجدل حول هذه المواضيع حتى يصرف الناس عن الأمور الهامة والتي تؤثر في دنياهم وأخراهم.