• عدم وجود الدعم السياسي والاقتصادي والإعلامي للخطاب الإسلامي، بل محاربته وإقصائه ومطاردته في كل مكان.

• محاولة اختطاف هذا المفهوم الإسلامي «التجديد» بظهور اتجاهات فكرية إلحادية أو بدعيّة تدعي شرف التجديد، وتمار س التبديل والتحريف للمفاهيم الشرعية الأصيلة وتبرز نفسها كبديل إسلامي يتوافق مع العصر الحديث والحضارة الغربية الغازية، وتتلقى الدعم المباشر وغير المباشر من القوى الاستعمارية العالمية.

كلّ ذلك وغيره يؤكد الحاجة إلى «التجديد الثقافي» في الأمة، فأزمة الأمة أزمة عقدية وفكرية وثقافية استتبعها أزمات سياسية واقتصادية وحضارية.

إن هذه الأمة العظيمة تمتلك كنوزاً وثروة لا تمتلكها أيّ أمة من الأمم، ومتى ما عادتْ إلى دينها وأزالت عنه الركام، وأحسنت تطبيقه فإنها سترقى إلى معالي السؤدد، وستقدم للأمم نموذجاً فريداً من التصورات اليقينية، والقيم الفاضلة، والأخلاق الرفيعة.

ولم تبتللَ الأمة إلاّ بسبب العقائد الزائفة، والقيم والأخلاق المادية، وسوء التطبيق للإسلام، وهذا هو سرّ تخلفها الحضاري المشاهد.

وبهذا يظهر لنا أن التجديد يستدعي إزالة الركام الثقافي المنحرف، وإعادة صياغة العقائد والقيم على منهج النبوة، ليس على المستوى النظري فحسب ولكن بطريقة عملية تطبيقيّة، وهذا ما يلزم منه إعادة النظر في العوائد، والتقاليد، والقيم، والأفكار، والمناهج السائدة، ووزنها بميزان معصوم وهو الوحي الرباني، والعمل على الإجابة عن الأسئلة الحضارية الجديدة، وكيفيّة العيش في حياة مليئة بالتحديات والعقبات والأخلاط وفق منهج الله تعالى ومرضاته.

إن المشروع التجديدي لا ينبغي له أن يكون ردة فعلٍ لواقع مأزوم، فيقوم بتبريره ومسايرته، لكنه يتطلب صحة في الاعتقاد التصوري، وقوة في الإرادة، ومشاركة الأمة بكافة قواها فيه، والعمل الجماعي الصادق المخلص الدؤوب.

لقد تم عرض الثقافة في العقود الماضية بصورة هزيلة مترهلة حيث أصبحت الثقافة مجموعة فلكلورية شكلية مثل الرسوم التشكيلية، والأمتعة القديمة، والمنازل العتيقة، والمسرح والموسيقى، والشعر والغناء والتصوير وغير ذلك، وأغفلت المفاهيم الحضارية الكبرى كالإيمان بالله تعالى، والقيم الأخلاقية، والعلم، والتصور الإسلامي الحق للكون والإنسان والحياة والغيب والإله الحق وغير ذلك، وهذا المفهوم الخاطئ للثقافة هو جزء من الركام المنحرف الذي أصاب الأمة في ثقافتها ومفاهيمها.

لقد حاول المفكر الجزائري مالك بن نبي أن يشخص الداء العضال الذي أصاب الأمة فرده إلى مشكلة حضارية هي (القابلية للاستعمار)، وقد صدق في ذلك لكنها في الحقيقة عرض لمرض، فما هو سرّ هذه القابلية؟ ولماذا لم تكن قابلة للاستعمار ثم أصبحت قابلة له؟ إن ردّ السبب إلى الذات - كما فعل مالك بن نبي - هو بداية صحيحة لاكتشاف الخلل، وهو منهج قرآني فريد، فالله تعالى يقول: أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا، قل هو من عند أنفسكم {آل عمران 165}.

لكن أزمة الأمة الحقيقية تعود في جذورها الأولى إلى «أزمة عقدية فكرية ثقافية» تلاها بعد ذلك الأزمة الحضارية الراهنة.

والشعور بوجود أزمة حضارية في الأمة أصبح محلّ إجماعٍ بين كافة التيارات والمناهج، لكن الاختلاف وقع في وصف الداء وتوصيف الدواء.

وقد ظهرت حركات تجديدية طالبت بأن تسير الأمة مسيرة الحضارة الغربية حلوها ومرّها، حسنها وقبيحها كما قرر ذلك طه حسين في كتابه مستقبل الثقافة في مصر، وسار على طريقته في التبعيّة اتجاه لا يزال -مع كل الإخفاقات والشواهد الدالة على فشل هذا المشروع - ينادي بما نادى به ويراه المخلص للأمة والمنقذ لها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015