مشروع التجديد الثقافي .. لماذا؟

د. عبد الرحيم بن صمايل السلمي

إن الناظر في أحوال الأمة الإسلامية اليوم لا يخالطه شك في أنها تحتاج إلى عملية واسعة من الإصلاح في كافة المجالات، فالتخلف والتراجع السياسي والاقتصادي والتقني والفكري والثقافي يُعد معلمًا بارزاً ومظهراً شاخصًا على استحقاق الإصلاح وتنمية عوامل البناء وإعادة الدور الريادي الذي فقدته في العصور المتأخرة.

والبوابة الكبرى لعملية الإصلاح تكون عن طريق التجديد وإعادة الروح الواثقة والمفاهيم الناصعة قبل تسرب الشوائب والأخلاط إليها، والتجديد الثقافي والفكري هو أول ما يجب أن يبدأ به المصلحون في عملية التجديد، فقد بدأ التخلف والانهيار منه، ولن يعود البناء إلا بإصلاحه وإعادة ترميمه.

إن "التجديد" هو أحد العوامل التي يحفظ الله تعالى بها هذا الدين، فقد حفظ الله تعالى الدين بحفظ مصدره الأصلي فقال عز وجل: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) {سورة الحجر9} والمراد بالحفظ حفظ لفظه من التبديل , ومعناه من التحريف.

وكذلك حفظ الله تعالى دينه بوجود طائفة منصورة على الحق فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله) (?)

وحفظه - أيضًا - بالتجديد فقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها) (?)

والتجديد المشروع هو إحياء معالم الدين، وإزالة الركام الفكري والثقافي عن مفاهيمه وقيمه وأخلاقه، وتنزيل أحكام الإسلام لأهل السنة على النوازل والأمور المستجدة وفق أصول الاستدلال , والربط بين الحكم الشرعي ومناطه الواقعي، فالتجديد جعل الشيء جديداً بإزالة الأوساخ أو بإعادة البناء، والبهاء لما درس وتقادم وبلي في واقع المسلمين وحياتهم.

فهو لا يعني إضافة أمور جديدة إلى الدين , فهذه الإضافة ليست تجديداً بل هي البدع والمحدثات المنهي عنها، وهي التي تستدعي عملية التجديد، فدين الله عز وجل كامل ليس بحاجة إلى زيادة (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) {سورة المائدة3}

وعملية التجديد ليست وليدة جديدة في هذا الزمان، فهي تعود إلى القرون الأولى، وقد ظهر مجددون في تاريخ الأمة مثل عمر بن عبد العزيز الذي أعاد الخلافة الراشدة بعد الملك الوراثي، والإمام الشافعي الذي ضبط الاستدلال بالنص الشرعي في كتابه "الرسالة" والإمام أحمد في الموقف من المناهج والتيارات الفكرية الوافدة، وكذلك التجديد الجهادي مع نور الدين محمود , وصلاح الدين الأيوبي , مروراً بالشيخ محمد بن عبد الوهاب في تحقيق التوحيد ونبذ الشرك، إلى غير ذلك من الحركات التجديدية في تاريخ المسلمين.

وإن من أهم دواعي التجديد في واقعنا المعاصر:

• غياب المنهج الفكري والثقافي الإسلامي عن المشهد العالمي، وصعود خطابات ثقافية جاهلية مادية مما ترتب عليها شقاء الإنسان واضطرابه وتناقضه وحيرته، ودخوله في نفق من الظلام لا يعرف له نهاية، ولا يرى أملاً في النور، وبالمقابل خسر الهداية والفلاح والنور الرباني.

• الركام الهائل من الأفكار والمفاهيم البعيدة عن المنهج الرباني مما كان له أبرز الأثر في الجمود والتقليد والتخلف والانحطاط على كافة الأصعدة.

• التحولات الفكرية السريعة والخطيرة في المجتمعات الإسلامية، وتأثر فئات من الشباب والفتيات بقيم العولمة وأخلاقياتها وأفكارها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015