علوي بن عبدالقادر السَّقَّاف
المشرف العام على مؤسسة الدرر السنية
28 محرم 1430هـ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين
أما بعد:
فالأصل في جميع أنواع المعازف تحريم سماعها واستخدام آلاتها للرجال والنساء معاً لحديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه مرفوعاً: (لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ والحريرَ والخَمْرَ والمَعَازِفَ)؛ أخرجه البخاري تعليقًا بصيغة الجزم.
ولحديث عامر بن سعد البجلي قال: (دخلت على قرظة بن كعب وأبي مسعود وجوارٍ يضربن بالدف ويغنين فقالوا قد رُخِّصَ لنا في اللهو عند العرس) (حديث حسن رواه النسائي وغيره) والرخصة لا تكون إلا بعد أمر محظور أو محرم.
والدف والطبل من هذه المعازف قطعاً، قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر: (العزف: اللعب بالمعازف وهي الدفوف وغيرها مما يضرب به)
وقال ابن القيم في مدارج السالكين (1/ 484): (وآلات المعازف: من اليراع والدف والأوتار والعيدان).
وقال ابن حجر في الفتح (10/ 46): (وفي حواشي الدمياطي، المعازف: الدفوف وغيرها مما يضرب به).
فالدف والطبل لغة وشرعاً من المعازف التي ورد النص بتحريمها.
والفرق بينهما على الراجح أن الدف مفتوح من أحد طرفيه وليس له جلاجل أما الطبل فمغلق من الجهتين، قال الحافظ ابن حجر: (الدف الذي لا جلاجل فيه فإن كانت فيه جلاجل فهو المزهر) (الفتح 2/ 440)
إذا علمت هذا الأصل فاعلم أنه قد جاءت أحاديث مستثنيةً استخدامَ الدُّفِّ للنساء والصغار فقط وبقي الرجال على الأصل، وليس هناك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أثر عن صحابي أو تابعي أن رجلاً ضرب بالدف أو ضرب أمامه رجل.
ومما يدل أيضاً على أن الأصل في الضرب بالدف التحريم إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه في نعته للدف بمزمور الشيطان عندما سمعه من الجويريات، وهذا النعت لم يأت إلا نتيجة لما استقر في ذهن أبي بكر رضي الله عنه من التحريم العام للمعازف، ومنها الدف، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم بين له أن الدف أبيح استثناءً للجويريات في يوم العيد، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه نسبه إلى الشيطان بقوله: (إن الشيطان ليخاف منك يا عمر) لما ألقت الجارية الدف عند مقدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلو كان في أصله مباحاً ما نسبه للشيطان.
وأما الأحاديث الوارد فيها الأمر بصيغة الجمع كحديث عائشة رضي الله عنها وفيه (واضربوا عليه بالدف)، وحديث معاذ رضي الله عنه وفيه (دففوا على رأس صاحبكم)، وحديث أنس رضي الله عنه وفيه (اضربوا على رأس صاحبكم).
فكلها ضعيفة لا تقوم بها حجة.
إذاً فالدف أبيح استثناءً من الأصل وللنساء والصغار فقط كما تقدم.
وقد تتبعت جميع الأحاديث التي أباحت استخدام الدف فكانت كلها للنساء والصغار ولا تخلو من حالتين: العرس والعيد وهناك حالة ثالثة فيها خلاف بين أهل العلم سيأتي الكلام عنها مفصلاً وهي عند قدوم غائب.
فمن الأحاديث التي أباحته في العرس حديث الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم غداة بُنِيَ عَلَيَّ فجلس على فراشي كمجلسك مني وجويريات يضربن بالدف .. ) رواه البخاري
ومن الأحاديث التي أباحته في العيد: (حديث عائشة أن أبا بكر رضي الله عنهما دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تدففان وتضربان والنبي صلى الله عليه وسلم متغش بثوبه فانتهرهما أبو بكر فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه فقال دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد وتلك الأيام أيام منى) رواه البخاري