قط. وأنّى؟ وبقية الهمّة التي حملها جدي معه ثمانين عاماً قد خبتْ -في السنين العشر الأواخر من حياته- نارُها وخفتَ أُوارُها؛ فما عادت له في العمل رغبة ولا عليه طاقة. عندئذ نسيت الموضوع كله فما عدت أذكر هذه الكتب.
...
ثم غادر -رحمه الله رحمة واسعة- هذه الدنيا إلى دارٍ هي له خيرٌ منها إن شاء الله. وما تركه من علم أحرى أن يُنشر بين الناس فينتفع به الناس ويكون له أجراً مدّخراً في آخرته وأنيساً له حيث ليس غير العمل الصالح من أنيس، فلم يجد الذين أحبوه حياً وأحبوه ميتاً ما يهدونه له خيراً من نشر ما لم يُنشر مما كتب؛ لعله يكون العلمَ الذي يُنتفَع به فلا ينقطع أجره أبداً بإذن الله.
وهكذا بدأ العمل لإخراج هذه الكتب. وإني لأسأل الله أن يوفق إلى إتمامه، وأن تصدق فيه نية من يعمل به ولا يُحرم المشاركة في الأجر فيه، وأن يكون في ميزان جدي يوم توزن الأعمال بين يدي الرحمن الرحيم.
...
فما الذي صنعته في هذا الكتاب، وما الذي سأصنعه في الكتب الباقية التي أرجو أن يوفق الله إلى إخراجها عما قريب؟
جمعت -أولاً- سائر ما استطعت جمعه من أصول مما لا يزال مخطوطاً ومما نُشر من قبل في الصحف، فاستبعدت ما نُشر منها في الكتب التي أصدرها جدي في حياته، ثم ذهبت أتتبع الخطة التي كانت في ذهنه لإخراج كتب بأعيانها، مستعيناً -في ذلك- بما وجدته بين أوراقه من