هذا كتاب يخرج على الناس بعدما بقي حبيس الأدراج نصف قرن، وبعدما كدت أظن أنه لن يُنشر أبداً. وهذه هي القصة:
لما وفدت على المملكة من نحو ربع قرن للدراسة كنت أزور جدي -رحمه الله- في بيته في مكة يومين أو ثلاثة أيام من آخر كل أسبوع، وكنت أمضي معه كثيراً من الوقت بين الكتب والأوراق؛ أشتغل فيما يشغّلني به من فرز وتصنيف وأنفّذ ما يكلفني به من تجميع وفهرسة وترتيب. فكان أن عرفت يومئذ -فيما عرفت- أن تحت يدي جدي عدداً من الكتب لا تحتاج لإخراجها إلى غير جهد يسير؛ من ترتيب أو تجميع أو تحرير أو تكميل. ولطالما حملتني الحماسة أو شاقني الأمل فألححت عليه أن نشتغل فيها لإتمامها وإخراجها، ولكن جدي -رحمه الله- الذي كان فيه من الفضائل والمزايا الكثير كان كثير التسويف كثير التأجيل، فكان يؤجل العمل في كل أسبوع إلى الأسبوع الذي يليه، وفي كل شهر إلى الشهر الذي بعده.
ومرت على ذلك أربع وعشرون سنة، ولم أعد أظن أن الكتب ستُنشر