إذا كانت المرأة فقيرة ما عندها ما تنفق منه، أو كان الرجل فقيراً ولا يستطيع العمال، فممّن يأخذ النفقة؟ ننظر في أقربائه: مَن الذي يرثه منهم إذا مات؟ فما كان يرثه إذا مات يُكلّف بنفقته إذا افتقر. فإذا كان الورثة متعددين، دفع كل منهم من النفقة بمقدار إرثه.
أعود إلى قصتي: لما رأيت ذلك أوعزت إلى خطباء المساجد وإلى المدرسين أن ينبهوا الناس إلى هذا؛ فصار كل فقير يفتش في أسرته عن قريب موسر، فإذا وجده ولم يعطِه أقام الدعوى عليه. وكثرت الدعاوى لدي، وصدرت فيها الأحكام.
فهل تصدقون إذا قلت لكم إنه لم يبق من الفقراء بلا نفقة إلا القليل، القليل الذين لا قريب لهم، وهؤلاء نفقتهم شرعاً على بيت المال. وتحقق نوع من التضامن الاجتماعي، تضامن بين الأسر ليس له نظير.
وهذا الباب مفتوح: الأب الفقير إذا كان له أولاد أغنياء يستطيع أن يطالبهم بالنفقة، والمرأة الفقيرة تطالب ولدها أو أباها أو أخاها، وكل فقير ينظر من هم ورثته إذا مات فيطالبهم بالنفقة، فإذا لم يعطوه اختياراً ذهب إلى القاضي فألزمهم القاضي بها إجباراً. فهل في قانون من قوانين الدنيا مثل هذا التضامن بين الأسر والعائلات؟
وهذا مثال من مئات الأمثلة على أن هذا الفقه الذي تركناه (في أكثر بلدان المسلمين) -مع الأسف- وأخذنا القانون المدني كنز لا ينفد، وأنه يصلح لكل زمان ومكان.
***