الإسلامي عصور تقدم ومدنية.
وأنشأ الدورَ الثالث فوقه الإفرنج.
فنحن -المسلمين- لسنا غرباء عن هذه الحضارة، بل نحن من أصحابها، ونحن شركاء في صرحها. ولكنا نمنا دهراً والقافلة تمشي فأضعنا مكاننا في المقدمة، فلما استيقظنا هرعنا لنستعيد ما أضعنا.
وفي إبان يقظتنا وجدنا شيئاً لا عهد لنا به، فوقف فريقان منّا موقفين غريبين: فريق أخذ بكل ما جاءت به هذه الحضارة أخْذَ تقليد بلا فهم ولا تمييز، وهذا خطأ ... وفريق رفض كل ما جاءت به بلا فهم ولا تمييز، وهذا خطأ.
والصواب أن نأخذ ما لا يخالف الثابت في ديننا ولا يناقض الصحيح من سلائقنا وعاداتنا، ما دام فيه النفع لنا.
ولماذا نرفض نِعَم الحضارة؟
إن أفقر فقير فينا يعيش أحسن من عيشة عبد الملك بن مروان وهارون الرشيد. عبد الملك كانت له ضرس منخورة وكان به بَخَر من ذلك (أي أن رائحة فمه كانت قبيحة) ولم يجد طبيباً يحشوها له، وأفقر فقير فينا يجد الطبيب الذي يحشو الضرس ويلبسها.
وأبو جعفر المنصور كان يشكو من أمعائه ويتألم منها، فلا يجد حبة أنتروفيوفورم أو حبة نوفالجين، وأفقر فقير فينا يجدها فيسكن ألمه، وتتطهر من الجراثيم أمعاؤه.
وهارون الرشيد كان يسافر على الإبل وعلى الدواب، ويقطع الطريق