ظن قوم أن حديثي بالأمس دعوة إلى ترك مظاهر الحضارة والابتعاد عنها. وعجب هذا الظن!
هل أنا مجنون حتى أقول دعوا السيارة واركبوا الحمار، واتركوا طيارة البوينغ وعودوا إلى الإبل، واقطعوا أسلاك الكهرباء وأشعلوا مصابيح الزيت، واتركوا المستشفيات وتداووا بأعشاب البادية، وإذا قاتلتكم إسرائيل بالصواريخ والطيارات والدبابات فقاتلوها بالسيف والرمح والقوس والنشّاب؟!
لا يا سادة، لا يقول هذا إلا مجنون.
ولكن أقول: أما كان من الممكن أن نأخذ النافع من هذه الحضارة ونترك الضار؟ وأن نجعل الشرع هو الميزان؛ فما كان محرّماً نتركه ولو أجمع الناس على الأخذ به، وما لم يكن محرماً وكان نافعاً نأخذه؟
والحضارة العالمية مثل بناء له ثلاثة أدوار، أنشأ الدورَ الأول دولُ الشرق الأدنى في القرون الأولى: الفراعنة والفنيقيون والحثيون والبابليون، ثم اليونان والرومان.
وأنشأ الدورَ الثاني فوقه المسلمون في القرون المتوسطة. فالقرون الوسطى كانت عصور تأخر ووحشية في أوروبا ولكنها كانت في الشرق