عشرة صبيان يبيعون الشفرات والأمشاط والمطاط، وحول كل واحد من هؤلاء جميعاً حلقة تساومه أو تخاصمه وتشتري منه أو تدفع له، وأمام بياع الجرائد نفر يحفون به يدورون معه كلما دار ليقرؤوا أخبار الجريدة من عنواناتها ويوفروا ثمنها، وعند بائع المعاطف رجل يقيس المعطف ويجربه واثنان يتفقدان طوله وعرضه وقماشه وخمسة ينظرون إليه، وعلى الرصيفين جماعات من «أكابر» القوم يتحدثون بجد ووقار، أو يتنادرون ويضحكون كأنهم في دورهم، وكل بائع ينادي ويصرخ بأعلى صوت يخرج من حنجرته؛ فيكون من ذلك مجموعة عجيبة قد اختلط فيها صوت الصبي الحاد بصوت الشيخ المبحوح فصارت كأنها برامج إذاعة دمشق في هذه الأيام، فأنت تسمع باستمرار: "النصر .. الجوز بورقة .. الجوز بورقة .. البيان الوزاري .. بردى .. بفرنك .. المشط بفرنك .. القبس .. هيئة الأمم .. بورقة الجوز .. الجوز بورقة .. دراع المطاط بفرنك .. الأيام .. الشفرات ..)، ولبياع الجوارب صوت نحاسي رنان ونفس ممتد وهو يصرخ (الجوز بورقة .. الجوز بورقة) بمعدل مرة ونصف في الثانية، ويخرج من حلقه الحروف متلاحقة متلاصقة كأنها رصاص الرشاش.

وتكون في وسط هذه المعمعة وإذا بفلاح طويل عريض يلبس «بلدكية» قد أقبل مسرعاً كالعاصفة التي تهب فتكتسح كل شيء أمامها، فأخذ واحداً بطرف بلدكيته وواحداً بذيلها وجرف الاثنين معه فضاعا وسط البلدكية ... فإذا وصل إليك صدمك صدمة دبابة من الوزن الثقيل ومضى، فتلتفت فتلقى سيارة آتية من خلفك مسرعة كأنها البلاء النازل، فتعجب كيف دخلت السوق وقد منع دخول السيارات إليه، وتنظر إليها فتلقاها سيارة شرطة تسير بسرعة سبعين ميلاً، تصوت صوتاً يثقب الآذان!

وهذا هو أكبر أسواق المدينة، والطريق إلى الجامع الأموي، أفلا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015