الشيخ كلامه في حياته؟ ما أظن إلا أنكم خفتم أن يأخذ بأكظامكم، ويأتيكم من فوقكم ومن أسفل منكم، فتزيغ أبصاركم كالذي يغشى عليه من الموت، ثم يترككم فإذا أنتم ضُحكة الضاحك وهُزءة المستهزئ، فنُنْشدكم قول طرفة بن العبد:
يا لكِ من قُبَّرة بمَعْمَرِ
خلا لكِ الجوُّ فبيضي واصفِرِي
ونَقِّري ما شمتِ أن تُنَقِّري
قد رَحَلَ الصيادُ عنك فابشري
ورُفع الفخ فماذا تحذري؟
ثم ننشدكم أيضاً قول المهلهل بن ربيعة يرثي أخاه كليباً الذي كان يضرب به المثل في العزة المتناهية، وكان من خبره أنه إذا حضر مجلسه الناس لا يجسر أحد أن يفخر أو يجاذب، إعظاماً لقدره وإجلالاً لشأنه، فلما مات قال المهلهل:
نُبَّئتُُ أن النار بعدَك أُوقِدَت ... واستبَّ بعدك يا كليب المجلسُ
وتكلََّموا في أمر كلِّ عظيمةٍ ... لو كنت حاضر أمرهم لم يَنْبِسُوا
ومن وراء ذلك كله: فليس من النَّبالة والإِنصاف أن تهاجم من لا يستطيع أن يدفع عن نفسه ويردَّ عليك قولك، وقد أمرنا ديننا في مثل هذه المواطن بالمكاشفة والمواجهة، يقول ربنا عزَّ وجلّ يخاطب نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم: {وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواءٍ} [الأنفال: 58]، قال أبو جعفر الطبري: فناجزهم بالحرب، وأعلمهم قبل حربك إياهم أنك قد فسخت العهد بينك وبينهم بما كان منهم من ظهور أمار الغدر والخيانة منهم، حتى تصير أنت وهم على سواء في العلم بأنك لهم محارب، فيأخذوا للحرب آلتها، وتبرأ من الغدر.
وجاء في حديث سلمان الفارسي الذي أخرجه الترمذي وأحمد: "وإن أبيتم نابَذْناكم على سواء"، قال ابن الأثير: أي كاشفناكم وقاتلناكم على طريق مستقيم مستوٍ في العلم والمنابذة، منا ومنكم.