إن أقصى ما يعرفه كثير من الناس الآن - وبخاصة الشباب - عن أبي فهر أنه صاحب الخصومة مع الدكتور طه حسين حول قضية الشعر الجاهلي وحول المتنبي، وصاحب الخصومة مع الدكتور لويس عوض حول أبي العلاء المعري والفتن الأخرى المنشورة في "أباطيل وأسمار"، ثم يعرفه المشتغلون بالدراسات الأدبية بقراءته الفذة وشرحه النفيس لطبقات فحول الشعراء لابن سلاَّم، ودلائل الإِعجاز وأسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجاني، ثم تحقيقه المعجب لتفسير الطبري وتهذيب الآثار، ويجمل بعضهم معرفته به في هذه العبارة الفضفاضة التي لا تدل على شيء "شيخ المحققين".
والحقيقة أن الرجل وراء ذلك كله، وفوق ذلك كله، إنه تاريخ ضخم لرجل تنبه منذ طراءة الصبا وأوائل الشباب إلى هموم أمته وما يراد بها ويكاد لها، وقد فطن منذ عقل إلى أن الطريق الوحيد للتغيير هو العلم والمعرفة، فانصرف إليهما، ولم يشغل بغيرهما، ثم أخذ نفسه بأسلوب صارم حازم، فقرأ القرآن صبيّا، وأقبل على الشعر مبكرا، يحفظه لا كما يحفظه الناس، مقطوعات للإِنشاد والتسلي والمطارحة في المجالس، وإنما الشعر عنده باب العربية كلها، وقد قاده الشعر إلى كتب العربية كلها، فالمكتبة العربية كلها عند أبي فهر كتاب واحد، والعلوم العربية عنده علم واحد، فهو يقرأ صحيح البخاري كما يقرأ الأغاني، ويقرأ كتاب سيبويه قراءته لمواقف عضد الدين الإِيجي، فهو بتعبيرنا المصري "خد البيعة على بعضها"، وهكذا