وتحدثت المقدمة الأولى عن تراثنا العربي من الرواية الشفوية إلى التدوين، وقد عالج في تلك المقدمة قضايا في غاية الأهمية، واستطاع بذكاء شديد وإحكام بالغ أن يجمع كل ما قيل عن نشأة الخط العربي، والنقوش العربية التي وصلت إلينا، وأقدم الكتابات الإِسلامية وتطور الخط العربي وتاريخ النقط والإِعجام، وترتيب الأبجدية العربية عند المشارقة، وعند الأندلسيين والمغاربة.

ثم عرض لعصر المخطوطات العربية، وتلك القصة الطويلة من استخدام البردي إلى صناعة الورق، ونشأة المدارس الإِسلامية والمكتبات العامة والخاصة، والإِملاء والنسخ والوراقة، ثم تطرق إلى قواعد النسخ واختلاف النسخ المخطوطة، ومنازل النسخ، وقواعد تحقيق المخطوطات.

ويعد ما ذكره المؤلف الفاضل حول قواعد النسخ والمقابلة ومنازل المخطوطات، يعد ذلك كله إضافة جيدة لما كتب في هذا الفن "فن تحقيق المخطوطات"، يوضع مع ما كتبه شيخنا عبد السلام هارون رحمه الله؛ وما كتبه غيره في هذا العلم.

ومن أنفس ما صنعه المؤلف هنا ما ذكره عن "طرق التدوين وشرائط النسخ"، فقد أورد ما ذكره الخطيب البغدادي وابن جماعة والعَلْموي، وبدر الدين الغزي، عن الضوابط والحدود التي يجب على النسَّاخ التزامها، في تقييد العلم وكتابته، وهي ضوابط وشروط صارمة جدّاً، تؤكد في مجملها الثقة في هذا العلم الذي انتهى إلينا محاطاً بكل هذه الأسوار والحدود.

وهذه المقدمة التي شغلت تسعين صفحة من الكتاب، من أنفع ما يقدم لطالب في الدراسات العربية، ولو كان لي من الأمر شيء لجعلتها مقرراً واجباً على كل طالب في جميع كلياتنا ومعاهدنا المعنية بالدراسات العربية والإِسلامية، ليس في الدراسات العليا فقط، ولا في قسم الدراسات الأدبية فقط، ولا في كلية دار العلوم فقط.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015