النظم هي مجلى ذلك الربط، وبتأمل هذه النظرية نستطيع أن ندرك أن المنهج العقلي المحكم الذي سار عليه عبد القاهر "هو الذي قاده إلى اعتماد النحو التقعيدي (نحو الصنعة) أساساً لإِدراك القيمة الحقيقية للصياغة، وما يمكن أن يتيحه هذا النحو من إمكانات تركيبية تقترب من الإِنسان ومقاصده الواعية"، كما قال الدكتور محمد عبد المطلب في كتابه قضايا الحداثة عند عبد القاهر الجرجاني ص 286.
ومما ينبغي التنبه له أن عبد القاهر الجرجاني هذا مع شهرته الواسعة في البلاغة بكتابيه دلائل الإِعجاز وأسرار البلاغة، يُعرف عند الأقدمين بعبد القاهر النحوي.
فهذا النحو القائم على رعاية التراكيب والدلالات في الكلام العربي الملفوظ والمكتوب هو النحو الذي ينبغي معرفته وتأمله والاستكثار منه؛ لأنه بهذا المفهوم مِلاك العربية وقِوامها، بل إنه كان يعبر عنه أحياناً في القديم بالعربية، حكى ابن جني عن أبي العباس ثعلب، قال: "وكان يعقوب - يعني ابن السكيت - وضيئاً عظيم الخَلْق، وكان ذكياً حافظاً عالماً بالشعر واللغة، صالح المعرفة بالعربية، وكان ابن قادم وغيره من أصحابنا يحتاجون إليه في الشعر واللغة، ويحتاج هو إليهم في العربية"، (الخاطريات ص 198)، وكذلك عبر ابن خلدون عن النحو بعلم العربية. (انظر: مقدمة ابن خلدون ص 532).
ومن الشواهد على سلطان النحو على اللغة ما ذكره أبو حيان التوحيدي قال: "سمعت في مجلس أبي سعيد - يعني السيرافي - شيخا من أهل الأدب يقول: ومن الأفعال ما له وجهان، كشيء ينصرف على معنيين: مثل: أصاب عبدُ الله مالاً، وأصاب عبدَ الله مالٌ، إذا أصابه مال من قسمة، ووافق زيد حديثَنا، إذا صادفهم يتحدثون، ووافق زيداً حديثُنا، إذا سره وأعجبه، وأحرز زيدٌ سيفَه، إذا صانه في غمده، وأحرز زيداً سيفُه، إذا خلّصه من القتل وشبهه. ولو قلت: أحرز امرؤ أجلَه لم يجز؟ لأن الرجل لا يحرز أجله، ولكن أجله يُحرزه، إلا أن تذهب إلى قولك: أحرزت أجلي بالعمل الصالح.