القارئ الكريم مما لا يتنبه له كثير من الناس؟ لأنها مطروحة في أخبار لا يقف الناس عندها كميراً: حكى المسعودي قال: "وذكر عمرو بن بحر الجاحظ في كتابه في تفضيل صنعة الكلام - وهي الرسالة المعروفة بالهاشمية - أن الخليل بن أحمد من أجل إحسانه في النحو والعروض وضع كتاباً في الإِيقاع وتراكيب الأصوات"، مروج الذهب 4/ 324.
أرأيت أيها القارئ العزيز، كيف قاد الإِحسان في النحو والعروض إلى الموسيقى؟ ولعل هذا خير تفسير لما قاله الأستاذ الكبير الدكتور مصطفى ناصف، فيما نقله الدكتور محمد حماسة عبد اللطيف في كتابه الجيد: النحو والدلالة، مدخل لدراسة المعنى النحوي الدلالي. يقول الدكتور مصطفى ناصف: "فالنحو ليس موضوعاً يحفل به المشتغلون بالمثل اللغوية، والذين يرون إقامة الحدود بين الصواب والخطأ، أو يرون الصواب رأياً واحداً، النحو مشغلة الفنانين والشعراء، والشعراء أو الفنانون هم الذين يهتمون بالنحو، أو هم الذين يبدعون بالنحو، فالنحو إبداع".
نعم النحو إبداع، ولا يعرف هذا إلا من قرأ القرآن الكريم قراءة تبصر وإحسان، ثم أطال النظر في كلام العرب: نثرها وشعرها، وصبر نفسه على قراءة الكتب والسَّير في دروبها، وحمل تكاليف العلم وأعبائه.
ونعم إن في النحو مناطق فن وإبداع، فإذا أنت تركت نحو الصنعة المتمثل في التعريفات والإِخراج بالمحترزات والحدود والقوالب والنظام والاطّراد، وما تقتضيه القسمة العقلية التي تفترض أشياء لا وجود لها؟ لاستواء الصنعة النحوية ليس غير، وسائر هذه الأمور التي جعلت أبا سعيد السيرافي يقول: "النحو منطق ولكنه مسلوخ من العربية، والمنطق نحو ولكنه مفهوم باللغة"، الإِمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي 1/ 115).
أقول: إذا أنت تركت هذا كله، وجئت إلى نحو التراكيب وبناء الجملة العربية وجدت ذلك النحو العربي الشامخ القائم على رعاية المعاني والدلالات، التي