سابعاً: لم تكن مطبوعات بولاق كلها على نفقة الدولة، ففد رأينا جهود الأفراد والجماعات وأموالهم وراء كثير من مطبوعات تلك المطبعة العتيقة، وحديث هذا يطول جداً، ولكن حسبك أن تعلم أن طبعة "صحيح البخاري" العظيمة التي طبعتها بولاق سنة 1315 هـ- 1897 م كانت على نفقة أحد التجار، وهو: محمد حسن عيد.
المرحلة الثانية:
مرحلة مطابع إدارات الجيش والمدارس الحكومية. وقد بدأت هذه المطابع نشاطها بعد قيام مطبعة بولاق بنحو عشرة أعوام، وقد دارت معظم مطبوعاتها حول الشؤون العسكرية والطبية والرياضية والجغرافية والهندسية، مع الإِلمام بشيء يسير من العلوم النظرية. ومن أشهر هذه المطابع: مطبعة ديوان الجهادية والمدفعية والحربية السلطانية والمدرسة الطبية بأبي زعبل، والمهندسخانة الخديوية ومدرسة الفنون والصنائع.
وهي الصورة المكملة لمرحلة بولاق والماضية في طريقها. لقد سطع نور بولاق وتألق، ثم مد ظلاله على الأفراد والجماعات، فنشط هؤلاء وهؤلاء لطبع الكتاب العربي، مدفوعين بنفس الروح التي سرت في مطبعة بولاق، وحملت مطبوعاتها نفس السمات التي عرفت في مطبوعات بولاق.
وقد انتشرت عشرات المطابع في قلب القاهرة، وبالأخص في تلك المنطقة المتصلة بالأزهر ودار الكتب المصرية، وهو أمر طبيعي أن تنشأ المطابع والمكتبات حول دور العلم والفكر، وإذا أنت وقفت في ذلك الزمان في ميدان باب الخلق، ونظرت عن يمينك وشمالك، ثم من قدامك ومن ورائك، ثم سرت في هذه الاتجاهات الأربعة رأيت أعداداً كثيرة من المطابع: في الأزبكية والفجالة وباب الشعرية وشارع محمد علي ودرب الجماميز (بور سعيد الآن) وشارع حسن الأكبر