فيا أيها القارئ الكريم، أنار الله بصرك وبصيرتك، اقرأ وتدبر ولا تعجل فترمي هذا الكلام بالوضع والانتحال، ففد عرفنا في زماننا هذا من يوصي أولاده بسوء الظن، والاستيحاش من الناس، والإِمساك دونهم، والحرص على المال بتزيين البخل، فلا زلنا نسمع هذه الأمثال كل يوم: اللي معاه قرش يساوي قرش - اللي معاه قرش ابنه يزمّر - القرش الأبيض ينفع في النهار الأسود - وأنا ما لي يا عم هو أنا خلفته ونسيته - ويبقى ابني على كتفي وأدوّر عليه؟ - ويالله نفسي نفسي - ويا روح ما بعدك روح - واللي يعوزه البيت يحرم على الجامع - وخالتي وخالتك واتفرقت الخالات.
بل سمعنا أشد من ذلك كله في تسويغ البخل والإِعراض عن نجدة الناس والبر بهم، والنظر إلى المصلحة الذاتية فقط، وهو قولهم: "عيش ندل تموت مستور"، فهي هي طبائع البشر في كل زمان ومكان، وإن اختلف التعبير عنها.
أما وصية أبي النجم في التشديد على الحماة والإِغلاظ للزوج، فما زلنا نسمع من هذا وذاك الشيء الكثير، وأظن أنه لا يغيب عنك: "يا مأمنه للرجال يا مأمنه للمَيّه في الغربال"، ولا زلت أذكر ما كنت أسمعه من نساء حي الدرب الأحمر - وهو الحي الذي نشأت فيه -فتقول الأم لابنتها قبل انتقالها لبيت الزوجية: "خلي بالك من المَرَة القرشانة اللي اسمها أمه، إدِّيها على دماغها أول بأول كده، مَتِسْكُتِلْهَاشْ أحسن تركبك"، او تقول لها عن زوجها: "إوعي منُّه، ربنا يستر، والله أنا خايفه، دا باين عليه ابن أمُّه".
أما التوصية بنتف ريش الزوج حتى لا يطير، فلم يعد لها مكان الآن، لأن الزوج أصبح لا ريش له بعد اشتراك الزوجة معه في الوظيفة، ومساهمتها في دخل البيت ومزاحمتها له في اتخاذ القرار، وربنا المستعان، وحسبنا الله ونعم الوكيل!
ثم نعود إلى أخبار الصدق مع النفس: فمع حرص خلفاء المسلمين على أن يظهروا للناس وجه العفو والمسامحة، فإن بعضهم كان صادقاً مع نفسه كل الصدق حين أظهر الحزم والمخاشنة وسوء المعاملة، فقد روي أن عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب قال للخليفة العباسي المنصور - وكان