الإِنسان في ملبسه على رعاية الذوق العام، وعدم مصادمة العرف الاجتماعي، وإن لم يصح هذا الفهم والتفسير يكون الكلام ساقطاً لا محالة، لأن إنساناً مهما جهد واجتهد لا يستطيع أن يلبس لباساً يرضي كل الناس.
وقد ذكر هذا المثل أحمد باشا تيمور، في كتابه الأمثال العامية، صفحة 404، وقال في تفسيره: "لأن ما تأكله تابع لشهوة نفسك، وأما ما تلبسه فالمراد به التزين للناس، فليكن على ما يعجبهم". وأرى أن أحمد تيمور قد قصَّر أيضاً في بيان حقيقة معنى هذا المثل، حين أغفل قضية رعاية الذوق العام، وعدم مصادمة العرف الاجتماعي، وهما المقصد والغاية من هذا المثل.
فائدة: قد يظن بعض الناس أن هذا المثل الشعبي: "كل ما يعجبك، والبس ما يعجب الناس" مثل معاصر، أو قريب من المعاصرة، والحقيقة أنه كلام قديم عمره نحو "1400 سنة" فهو من كلام أبي عمرو بن العلاء، إمام العربية، وأحد القراء السبعة، المتوفى 154 هـ، مع اختلاف في بعض العبارات، فقد روي أنه نظر إلى بعض أصحابه وعليه ثياب مُشَهَّرة، فقال: "يا بني، كل ما تشتهي والبس ما يشتهي الناس"، والثياب المُشَهَّرة: الفاضحة المفضوحة، وقد نظم هذا المثل بعض الشعراء القدامى، فقال:
إن العيون رمتك من فجَآتها ... وعليك من شُهْرِ اللباس لباسُ
أما الطعام فكُل لنفسك ما اشتهت ... والبَس ثيابك ما اشتهاه الناس
انظر: المثل والشعر في لطائف الظرفاء، للثعالبي ص 52، وبهجة المجالس لابن عبد البر 2/ 58، والكشكول، لبهاء الدين العاملي 2/ 404.
ثم لنعد إلى ما فتحه أمامنا الأستاذ صلاح عيسى، فأقول: إن حب النفس مركوز في الطباع، ثابت في أصل الخلقة، فطرة فطر الله الناس عليها، يستوي فيها العربي والعجمي. ولا بأس على الإِنسان أن يستر عيوب نفسه، ما دام ذلك الستر