أرأيت أيها القارئ العزيز؟ إنه أمر محير فعلاً، وهو يحتاج إلى محلل نفسي لا إلى كاتب مثلي.

خامسا: الكسل والإخلاد إلى الراحة

خامساً: الكسل والإخلاد إلى الراحة: أعرف نفراً من زملائي الجامعيين، أعرف نشأتهم العربية الأصيلة، وأقرأ لبعضهم شعراً عذب النغم، فصيح الأداء، آسر النغمة، وأحاورهم فأقع منهم على كل لطيفة ودقيقة من الفطنة والقول الحسن ولكنهم إذا كتبوا قرأت كلاماً خفيفاً يخدعك عن حقيقة أمرهم وما عندهم من العلم والأدب، ولا تفسير لذلك عندي إلا الكسل وطلب الخفة، و «طلب الخفة» مطلب نحوي، ولكنه لا يحمد في الأدب والبيان.

ويبقى أن أقلو: إن إهمال البيان والتأنق في الكلام وتحسين العبارة قد أدى إلى هجر كثير من أبواب النحو، وقلة استعمال بعضها في كتابات الكاتبين الآن مثل البدل، وبخاصة بدل البعض ويدل الاشتمال، و «كان» التامة في مثل قوله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} [البقرة: 280]، و «كان» الزائدة في نحو: ما كان أغناك عن هذا، وقول قتيلة بنت النضر بن الحارث، تخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ما كان ضرك لو مننت وربما ... من الفتى وهو المغيظ المحنق

واسم الفاعل واسم المفعول العاملان في التركيب، والمصدر الميمي والمصدر المؤول، وبعض جموع التكسير الفصيحة، وزيادة الباء في خير «ليس» وفي خبر «ما» مع كثرة ذلك في القرآن وكلام الفصحاء، ولا يزال ذلك يجري على ألسنة الناس في الخطاب اليومي في السعودية والكويت، يقولون: ما أنا بمبطئ عليك، وما أنا بناسي كلامك.

ومما أهمل أيضاً المفعول المطلق المؤكد للفعل، فأنت لا تكاد تقرأ لكاتب يقول: كلمته كلاماً، من غير أن يضيف إليه وصفاً، فيقول كلاماً شديداً ونحوه، مع مجيء ذلك بكثرة في الفصيح، ومنه قوله تعالى: {رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا (61)} [النساء: 61]، ومن الغريب أن هذا المفعول المطلق مستعمل بكثرة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015