ولهذا الكتاب - كشف الظنون - قيمة كبرى في رصد حركة التأليف العربي، وتتبع مساره منذ بداية التدوين حتى القرن الحادي عشر الهجري. ومادته العلمية غزيرة جداً، فقد ذكر نحو (200) علم وفن، ونحو (15000) عنوان كتاب، ونحو (9500) مؤلف.
وجاءنا من تركيا العثمانية أيضاً «الخط العربي»، هذا الفن الجميل الذي يعد معلماً بارزاً من معالم الإبداع الفني عند المسلمين، وخاصية حضارية ينفردون بها عن سائر الشعوب.
وإذا كان تاريخنا يذكر أسماء عظيمة كان لها أثر واضح في تزيين الخط العربي والإبداع فيه، مثل ابن مقلة الوزير الشاعر البغدادي (328 هـ)، وابن البواب البغدادي (423 هـ) وقد هذب طريقة ابن مقلة، وكساها رونقاً وبهاء، ويقال: إنه كتب القرآن بيده 64 مرة، ومن حسن حظنا أن يبقى من خطه أثر، وهو «شعر سلامة بن جندل» في مخطوطة كتبها بقلمه الجميل سنة 408، وهي محفوظة بمكتبة بغداد كشك باستانبول. وكذلك بقي من خطه رسالة «مدح الكتب والحث على جمعها» للجاحظ، وقد ذكرتها من قبل. وياقوت المستعصمي الرومي (689 هـ) وآثار هذا الخطاط كثيرة، في تركيا وفي غيرها، وبخاصة المصاحف الشريفة. وفي مكتبة السليمانية وحدها نسختان من المصحف الشريف بخطه.
أقول: إذا كان تاريخنا قد سجل هذه الأسماء التي أبدعت وجودت في الخط العربي، فإن الخطاطين الأتراك العثمانيين قد ارتقوا بهذا الفن إلى أعلى درجاته، وتألقت أقلامهم وأبدعت تشكيلات هي الغاية والمنتهى، وسيظل تاريخ الخط العربي يردد أسماء الخطاطين الأتراك العثمانيين، مثل الحافظ عثمان، وأسعد اليساري، وقاضي العسكر مصطفى عزت، والحاج حسن رضا، وحقي، وسامي، وخلوصي، وعثمان أوزجاي، ومحمد أوزجاي، وقنوي، وحمد الله المعروف بابن الشيخ، وأحمد كامل المعروف برئيس الخطاطين، ثم العلم الكبير: حامد الآمدي. وقل أن تجد واحداً من هؤلاء لم يكتب المصحف الشريف، فكان كلام ربنا عز وجل