ليحدث بالحديث فيسمعه من لا يبلغ عقله فهم ذلك الحديث فيكون عليهم فتنة» أدب الإملاء والاستملاء ص 59، 60، وروى ابن عبد البر عن هشام عن عروة بن الزبير بن العوام، قال: «قال لي أبي: ما حدثت أحداً بشيء من العلم قط لم يبلغه علمه إلا كان ضلالاً عليه» جامع بيان العلم وفضله 1/ 134.
وقال بدر الدين بن جماعة، فيما يجب على المعلم نحو طلبته: «وكذلك لا يلقي إليه ما لم يتأهل له؛ لأن ذلك يبدد ذهنه ويفرق فهمه، فإن سأله الطالب شيئاً من ذلك لم يجبه، ويعرفه أن ذلك يضره ولا ينفعه، وأن منعه إياه منه لشفقة عليه وعطف به، لا بخلاً عليه، ثم يرغبه عند ذلك في الاجتهاد والتحصيل، ليتأهل لذلك وغيره، وقد روي في تفسير «الرباني» أنه الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره».
وقال أيضاً: «ولا يشير على الطالب بتعليم ما لا يحتمله فهمه أو سنه، ولا بكتاب يقصر ذهنه عن فهمه» تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم ص 51 - 52 و 55، وذكر جلال الدين السيوطي من أدب الرواية والتعليم، قال: «ومن آدابهما الإخلاص، وأن يقصد بذلك نشر العلم وإحياءه، والصدق في الرواية، والتحري والنصح في التعليم، والاقتصار على القدر الذي تحمله طاقة المتعلم». المزهر 2/ 330.
على أن بعض الأساتذة قد هدي إلى صراط مستقيم، فوضع بين يدي طلبته ذلك الكتاب الجامعي القائم على الكشف عن أصول العلم، وعرض القاعدة مؤيدة بالنصوص والشواهد؛ دون إغراق في النقد والتحليل، لكنه كان من المؤسف والمحزن حقاً أن ينظر إلى مثل ذلك العمل على أنه كتاب مدرسي، وصار هذا الوصف «الكتاب المدرسي» علامة على الخفة والسهولة، وصار مجلبة للتنقص وطريقاً إلى المعابة، بل بلغت الجرأة مداها أن يصف بعضهم ما كتبه أحد أعلامنا الكبار - متعه الله بالصحة والعافية - في تاريخ الأدب العربي في عصوره المختلفة، بأنه عمل مدرسي، غايته الجمع والتبويب، وأنه خال من التحليل والموازنة والنقد.
ومعنى هذا أنه إذا جاءك أحدهم بعمل قائم على الثرثرة بتلك المصطلحات