يتصدى لإعادة كتابة التاريخ الإسلامي أن يكون متضلعاً - أو على الأقل عارفاً - من اللغة: مألوفها وغريبها، ونحوها وصرفها، ليس على سبيل الإتقان والإحاطة، فهذا غير وارد وغير ممكن، ولكن على سبيل المعرفة التي تعصم من الأخطاء الشنيعة البلقاء.
يقول الحافظ أبو الحجاج المزي في مقدمة كتابه «تهذيب الكمال في أسماء الرجال» ص 156: «وينبغي للناظر في كتابنا هذا أن يكون قد حصل طرفاً صالحاً من علم العربية، نحوها ولغتها وتصريفها، ومن علم الأصول والفروع، ومن علم الحديث والتواريخ وأيام الناس». فهذا شأن الناظر في الكتاب، فما بالك بمن يحاول إعادة كتابته أو اختصاره؟
وكذلك يجب التنبه للأعراف اللغوية لكل عصر من العصور، وتظهر المحنة في هذا الأمر واضحة جلية عند من يتصدون للتاريخ المملوكي، وهو زاخر بالأعراف اللغوية والمصطلحات غير المألوفة إلا لمن جمع مراجع ذلك العصر: لغة وأدباً وتاريخاً.
ثالثاً: إن من يعيد كتابة تاريخ من تواريخ السابقين، أو يحاول اختصار كتاب في علم من العلوم، أو تهذيبه، لابد أن يكون في علم صاحب الكتاب الأصلي، أو على درجة مقاربة له؛ لأن المعيد أو المختصر أو المهذب حينئذ يكون سميعاً بصيراً، يعرف ماذا يأخذ وماذا يدع، ولذلك قبل أهل العلم «مختصر صحيح مسلم» للحافظ المنذري، و «مختصر تفسير الطبري» لأبي يحيى محمد بن صمادح التجيبي، وتهذيب أنساب السمعاني؛ المسمَّى «اللباب» لعز الدين بن الأثير، و «مختصر الأغاني» للأصفهاني، و «مختصر تاريخ دمشق» لابن عساكر، وكلا المختصرين لابن منظور صاحب «لسان العرب».
وفي عصرنا الحديث قبلنا «تهذيب الأغاني» للشيخ محمد الخضري، و «عمدة التفاسير» لمحدث العصر الشيخ أحمد محمد شاكر، الذي اختصر فيه بعض أجزاء من «تفسير ابن كثير»، و «تهذيب سيرة ابن هشام»، و «تهذيب الحيوان» للجاحظ، كلاهما لأستاذنا عبد السلام محمد هارون.