من علوم القرآن التي اعتنى بها الأئمة، وأفردوها بالتصنيف علم «إعجاز القرآن»، وقد بدأ الكلام في هذا العلم: شذرات ونتفاً في كتب التفسير، كشفاً لمواطن الكمال والجلال في كلام ربنا عرَّ وجلّ.
وقد دخل المفسرون إلى الإعجاز من طريق تلك الآيات التي أمر بها المولى تباركت أسماؤه رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم أن يطلب من مشركي قريش الإتيان بمثل ما أُنزل عليه، تدرجاً وتنزلًا، وذلك قوله تعالى: {أم يقولون أفتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات} [هود: 13]، وقوله تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله} [البقرة: 23]، ثم قضى عليهم بالعجز وأيأسهم أن يأتوا بشيء من ذلك، فقال عز من قائل: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا (88)} {الإسراء: 88].
ومعلوم أن مشركي قريش الذين سمعوا كلام الله يتلى على لسان رسوله الأمين كانوا أرباب فصاحة وبيان، وكانوا يعرفون مواقع الكلام وحلاوة البيان، ولذلك أدهشم القرآن حين سمعوه، ودله عقولهم بعظمة بيانه وروعة معانيه، ودقة نظمه واتساقه، وحين لم يجدوا في الطعن إليه سبيلًا لم يسعهم إلا أن يقولوا: إنه شعر، وإنه سحر، وإنه أساطير الأولين اكتتبها محمد صلى الله عليه وسلم فهي تملى عليه بكرة وأصيلًا.
وهذا كله إقرار بعظمة ما سمعوا، وإذعان لأنه كلام مباين لكلام البشر، لكن ما انغمسوا فيه من العناد والمكابرة صدهم عن الاعتراف بأنه وحي يوحى، نزل به الروح