لقد كتبت وكتب غيري عن المستوى المتدني للغة العربية على ألسنة المتكلمين وأقلام الكاتبين: من شباب هذا الجيل، لكننا نعالج هذه القضية بكثير من التخوف والتردد والمصانعة والحذر من إغضاب الناس، والتحسب لردود الفعل التي قد تعطل مصالح العباد، وتقصي القريب وتقرب البعيد:

وفي النفس أشياء وفيك فطانة ... سكوتي بيان عندها وخطاب

والقضية لا بد أن توضع في حاق موضعها إن كنا صادقين:

أولاً: إعادة النظر في مناهج تدريس العربية بدءاً من الابتدائي وانتهاء بالجامعة، بحيث تكون مناهج ترد التلاميذ إلى تاريخهم، وربطهم بعلم الآباء والأجداد - ولا أقول تراثهم؛ فإن هذه الكلمة قد أصبحت بغيضة عندي جداً، لما توحي به هذه الأيام عند بعض الناس من الماضي السحيق والفولكلور والمتحفيات - ولعلي أفرد لذلك مقالة، إن شاء الله.

لقد كنا في طفولتنا وصدر شبابنا نحفظ الشعر الجاهلي ومتون العلوم في الصباح، ونلعب الكرة الشراب عند العصر، فجرت اللغة في عروقنا واختلطت بلحمنا وعظمنا، وما أمر «مجموعة النظم والنثر» لعبد الله باشا فكري، و «المنتخب من أدب العرب» للسكندري وأصحابه، ببعيد، وهكذا الشأن عند سائر الأمم، فتلاميذ المدارس الإنجليزية يقرأون «شكسبير» ويعرفونه جيداً، وتلاميذ المدارس الألمانية يقرأون «جوته» ويعرفونه جيداً، مع الاحترام الزائد والتوقير الشديد.

ثانياً: تنقية الجو الأدبي خارج المدرسة والجامعة من الأوشاب والأخلاط.

فالمدرسة والجامعة لا يعملان بمعزل عن الحياة العامة، لقد كان طلاب ذلك الزمان السعيد يقرأون أصول العلم في معاهدهم، ثم يقرأون مرة أخرى على صفحات الرسالة والثقافة والمقتطف والهلال. ألم ينشر طه حسين «حديث الأربعاء» منجماً في «البلاغ»؟ ألم ينشر أبو فهر محمود محمد شاكر كتابه العظيم عن المتنبي عدداً خاصاً من «المقتطف»؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015