في قوله تعالى: {وتقلبك في الساجدين (219)} [الشعراء: 219]، قال: «من نبي إلى نبي حتى أخرجك نبيّاً».
حتى احتوى بيتك المهيمن من ... خندف علياء تحتها النطق
المراد بالبيت ها هنا: الشرف والنسب. والمهيمن: الشاهد، وهو صفة هذا الشرف: أي حتى احتوى شرفك الشاهد على فضلك أفضل مكان وأعلاه وأرفعه من مجد خندف وسامي شرفها. وخندف: لقب ليلى، وهي امرأة إلياس بن مضر، وهو من أجداد النبي صلى الله عليه وسلم. والنطق: جمع نطاق، وهو في الأصل: تشدّ به المرأة وسطها فوق الثياب، ومنه أسماء ذات النطاقين بنت أبي بكر رضي الله عنهما. وضرب هذا مثلًا في ارتفاعه وتوسطه في عشريته وعزه، فجعله في علياء، وجعلهم تحته نطاقاً له.
وأنت لما ولدت أشرقت الـ ... أرض وضاءت بنورك الأفق
هكذا يبدأ الشاعر بيته بالضمير المنفصل «أنت»، ومجيء مثل هذا الضمير في مثل ذلك الموضع لا يأتي إلا في فحولة شعر وجسارة شاعر، فإذا عدم تلك الفحولة وفقد هذه الجسارة عاد غثاً بارداً، وانظره في قول عدي بن زيد العبادي، في إحدى غرره الأربع، كما يقول ابن سلام:
أرواح مودع أم بكور ... أنت فانظر لأي حال تصير
وقد أدار النحويون على «أنت» في بيت عدي كلاماً كثيراً، فابسط لهم العذر، ولا تظن بهم إلا خيراً؛ لأنهم أصحاب صنعة ونظام، وقد أربكهم هذا الشاعر إرباكاً عظيماً، بذلك الضمير في هذا الموضع. والشاعر الفحل مختال تياه، يتلعب بالكلام كما يشاء!
وعلى أن استعمال هذا الضمير «أنت» في الشعر كثيراً ما يدل على التحنن والأنس والود بين المخاطب والمخاطب، وقد استعمله العباس في قصيدته هذه ثلاث مرات.