وقال الذهبي في وصفه: «وكان شهماً شجاعاً حازماً جواداً ممدحاً، فيه دين وسنة، مع انهماكه على اللذات والقيان، وكان أبيض طويلًا، سميناً مليحاً، وقد وخطه الشيب. وكان يصلي في اليوم مائة ركعة إلى أن مات، ويتصدق كل يوم من صلب ماله بألف درهم، وكان يخضع للكبار ويتأدب معهم». العبر في خبر من عبر 1/ 312. وقال في سير أعلام النبلاء 9/ 290: «ومحاسنه كثيرة، وله أخبار شائعة في اللهو واللذات والغناء، والله يسمح له».
فهذا الذهبي مؤرخ الإسلام يذكر كل جوانب هارون الرشيد، فلا ينشر الحسنات ويطوي السيئات، وهكذا جمهور مؤرخي العرب المسلمين، لا ما يذهب إليه ول ديورانت ومن لفَّ لفَّه.
ويقول السيوطي عن الرشيد في تاريخ الخلفاء صفحة 284: «وكان يحب العلم وأهله، ويعظم حرمات الإسلام، ويبغض المراء في الدين، والكلام في معارضة النص، وبلغه عن بشر المريسي القول بخلق القرآن، فقال: لئن ظفرت به لأضربن عنقه. وروي أن أبا معاوية الضرير حدثه بحديث: «احتج آدم وموسى» (انظر تمام الحديث في صحيح البخاري، كتاب الأنبياء 4/ 192)، فقال رجل شريف من الحضور: فأين لقيه؟ فغضب الرشيد قال: النطع والسيف، زنديق يطعن في الحديث! فما زال أبو معاوية يسكنه ويقول بادرة منه يا أمير المؤمنين، حتى سكن.
وقد سبق أنه كان يحج عاماً ويغزو عاماً، وكان يلبس قلنسوة مكتوباً عليها: غاز حاج، قال أبو المعالي الكلابي:
فمن يطلبْ لقاءك أو يُرِدْه ... فبالحرمين أو أقصى الثغورِ
وقد حكم الرشيد ثلاثاً وعشرين سنة، بلغت فيها الدولة الإسلامية شأواً عظيماً من الرقي والحضارة. يقول ابن دحية: «وفي أيامه كملت الخلافة بكرمه وعدله وتواضعه وزيارته العلماء في ديارهم».
وقد غزا الروم في القسطنطينية فصالحته الملكة إيريني، وافتدت منه مملكتها