كلام منقوض من جهاته كلها، لكن الذي يعنيني منه هنا استشهاده على تجاوز القواعد النحوية بالقراءة المنسوبة للإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت، وذلك قوله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}، برفع لفظ الجلالة ونصب {العلماء}، وعندي في هذه القراءة كلام كثير لا يتسع له هذا الموضوع، لكني أوجزه فيما يلي:
أولاً: هذه قراءة منكرة، لا شاذة، كما ذكر الأستاذ حجازي، وفرق كبير في علم القراءات بين القراءة المنكرة والقراءة الشاذة، فالقراءة المنكرة مرفوضة، أما القراءة الشاذة فإن لها حدوداً ومعالم، وليس وصف القراء بالشاذة غضباً منها أو تهمة لها، وإنما وصفت القراءة بالشذوذ لخروجها عن قراء القرَّاء العشرة المعتبرين. ولذلك يقول ابن جني في مقدمة كتاب المحتسب، عن هذا الشاذ: «إلا أنه مع خروجه عنها - أي عن القراءات العشر - نازع بالثقة إلى قرائه، محفوف بالرواية من أمامه وورائه، ولعله، أو كثيراً منه، مساو في الفصاحة للمجتمع عليه.
ونعم وربما كان فيه ما تلطف صنعته، وتعنُف بغيره فصاحته ... ».
وقراء القراءات الشاذة أربعة من كبار علماء العربية وهم: ابن محيصن، ويحيى اليزيدي، والحسن البصري، وسليمان الأعمش. وقد ألّفت كتب في ذكر قراءتهم وتوجيهها، وعندي من كتب توجيه القراءات الشاذة هذه ثلاثة كتب، أولها: المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها، لان جني المتوفى سنة 392 هـ، ومختصر في شواذ القراءات لابن خالويه المتوفى سنة 370 هـ.
والقراءات الشاذة وتوجيهها من لغة العرب للشيخ عبد الفتاح القاضي، وهو عالم قراءات مصري كبير، توفي منذ عشر سنوات، سنة 1403 هـ، ولا ذكر لهذه القراءة المنسوبة لأبي حنيفة وللخليفة عمر بن عبد العزيز في هذه الكتب الثلاثة، وكذلك لم أجد لها ذكراً في كتاب الدمياطي: إتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر.