صاحب الحال في النظام النحوي أن يكون معرفة، وتكلَّموا أيضًا على قول العرب: «مكروه أخاك لا بطل»، وحقه «أخوك».

فالنحوي يعرض كل ما يرد عليه من كلام ونصوص على نظامه، فما وافقه قبله، وما خالفه رفضه، فلئن كانت عداوة بين النحاة والشعراء لهذه العلة، وجب أن تكون هذه العداوة أيضاً بين النحاة وكل من تكلَّم بكلام خالف فيه النظام واتبع هواه.

علم التوجيه النحوي ودوره:

ومع كل هذه الصرامة النحوية، فقد قام نحاة آخرون بتوجيه هذا الكلام الخارج عن النظام، ورده إليه من طريق موافقته لبعض لغات العرب - أي لهجاتهم - أو من طريق الحذف والتقدير، والحذف من خصائص العربية، وهو سمة من سمات فصاحتها وبلاغتها، ويجعله ابن جني من «باب شجاعة العربية»، وعلم التوجيه النحوي هذا علم ضخم جداً، وبخاصة توجيه القراءات السبع.

ولما كان الشعر كلاماً من الكلام فقد عرضوه أيضاً على نظامهم، فقبلوا منه ورفضوا، لكنهم قد وقفوا منه موقفاً آخر غير موقفهم من النصوص النثرية - وهذا يدل على احتفالهم به، وإجلالهم له - فهم قد نظروا إليه من أول الأمر على أنه كلام ذو طبيعة خاصة ونسق متميز، وحيث كانت هذه حاله عومل معاملة مباينة لمعاملة منثور الكلام، فأجازوا فيه ما لا يجوز في النثر. وكان صنيع إمام النحاة سيبويه في ذلك دليلًا ومرشداً، فقد عقد باباً في أول الكتاب سمَّاه: «باب ما يحتمل الشعر» قال في أوله: «اعلم أنه يجوز في الشعر ما لا يجوز في غيره».

ويقول ابن عصفور: «اعلم أن الشعر لما كان كلاماً موزوناً يخرجه الزيادة فيه والنقص منه عن صحة الوزن، ويحيله عن طريق الشعر، أجازت العرب فيه ما لا يجوز في الكلام، اضطروا إلى ذلك أو لم يضطروا إليه، لأنه موضع ألِفَت فيه الضرائر».

وتأمل جيداً قوله: «اضطروا إلى ذلك أو لم يضطروا إليه»، فهو كلام صريح

طور بواسطة نورين ميديا © 2015