المأتم: الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي، والشيخ أبو العينين شعيشع، فأعجب الناس بها إعجاباً شديداً استحال إلى محاكاة وتقليد للأداء المصري وهجر القرَّاء العراقيون طريقتهم «المأثورة».
وفي سنة 1971 م كنت في زيارة لمدينة «أدرنة» بشمال تركيا، وفي مسجد السلطان سليم استقبلنا مقيم الشعائر بالمسجد، وما أن علم أننا مصريون حتى هش وبش وقال بالحرف: ما شاء الله، مصر، أزهر شريف، أنا الشيخ يوسف، سلموا على الشيخ مصطفى إسماعيل، فأنا أحبه كثيراً، لقد جاء إلينا وقرأ في هذا المسجد، ثم انطلق يردد بصوت عال آيات من سورة آل عمران جهد أن يقلد فيها صوت الشيخ مصطفى.
واستمع إلى قرَّاء القرآن الآن في الباكستان والهند والصين، وبلاد جنوب شرقي آسيا، تجد لهذا الذي ذكرته من التأثير المصري أشباهاً ونظائر، بل إن التسجيلات التي ملأت مصر الآن لقرَّاء الحرمين الشريفين، والتي يعجب بها الناس إعجاباً شديداً، للمشايخ: علي الحذيفي، وإبراهيم الأخضر، وعلي باجابر، وعبد الرحمن السديس، إنما يظهر الأثر المصري فيها واضحاً جداً لمن يعرفون الأصوات وتاريخ الشعوب في قراءة القرآن، {ولقد يسرنا القرآن للذكر} [القمر: 17].
لكن الأمر كاد يخلص لمصر في القرنين الأخيرين، فتربع قراؤها على عرش الإقراء: رواية ودراية، وصارت الرحلة إليهم من الشرق والغرب، ويرجع ذلك إلى أسباب كثيرة: منها بروز الأزهر الشريف قوة كبرى مؤثرة بعد الحملة الفرنسية، وتأثير رجاله على الحياة العامة: سياسيّاً واجتماعيّاً، ومنها استقرار الأوضاع وازدهار الحياة بمصر أيام محمد على وذريته، ومنها - وهو الأهم - إنشاء مطبعة بولاق والمطابع الأهلية الأخرى، وفي هذه المطابع خرجت منظومات علم القراءات ومتونه: كالشاطبية وشروحها، وطيبة النشر، والمقدمة الجزرية، وغير ذلك مما لا يحصى الآن. ثم كان أبقى أثر وأخلده هو «مصحف الملك فؤاد» الذي طبع بمصر سنة 1337 هـ وقد قام بتصحيحه ومراجعته على أمهات كتب الرسم والضبط والقراءات: