رحبة متطاولة، لا يقدرها إلا أنت، ولا يعرف كنهها إلا أنت، وتاريخ أمتنا حاضر بين يديك، ماثل أمام عينيك، لم يغب عنك لحظة، فماذا أنا قائل فيك؟ وماذا أنا بالغ من الكتابة عنك؟ ومعذرة ثم معذرة شيخي أبا فهر إذ أكتب عنك بهذه الوجازة التي تراها - أراك الله الخير كله، ودلك عليه، ورغبك فيه.
ثم معذرة من بابة أخرى: وهو أن كثيراً مما ستقرأه، إن شاء الله، منتزع من كلامك، مدلول عليه بفكرك، فأنا إنما أكتب عنك بك، وأتقدم إليك بسابق فضلك وموصول علمك، وإن كنت أعتقد أن هذا لا يعتذر منه إليك، وأيضاً فإنك كنت قد شجعتني على الكتابة عنك، حين أنبأتك ما أصابني من دوار أرضاني وأسخطني يوم خرجت إلى الناس بطبعتك الجديدة من كتابك الفذ «المتنبي»، وحدثتنا في الجزء الأول منه، حديثاً غريباً عجيباً، عن فساد حياتنا الأدبية، وعن تفريغ عقولنا من كل ما يردنا إلى تاريخنا وأيامنا، وقلت لك يومها:
إني أريد أن أدل على ما ذكرت بما شاع في كتاباتك الأخرى، ما دق منها وما جل، وقد أذنت لي في الكتابة عنك، ويومها رأيت نفسي - وأنا من أصغر تلاميذك - قد ظفرت بما فوق المنى»، (مدخل إلى تاريخ نشر التراث ص 103).
ومن العلماء الذين كان يحرص على الدعاء لهم الأستاذ عبد السلام هارون - وهو أستاذنا أيضاً، تتلمذنا على يديه يرحمه الله في كلية دار العلوم في الفترة من 1965 م - 1969 م -، فيتحدث في معرض انتقاده لشيوع ظاهرة المختصرات لأمهات الكتب في أيامنا هذه والتي قام بها البعض فأساءوا - بسبب ضعفهم العلمي - إلى الأصول.
ويقول عنه وبعد أن قدم بحديث عن جهود الأستاذ عبد السلام هارون في خدمة التراث: «وخلاصة ما يقال في الأستاذ عبد السلام محمد هارون: أنه لم يخط أحمد في التراث سطراً إلا ولهذا الرجل عليه منة، وذلك أنك لا تكاد تجد قائمة مراجع تراثية إلا وفيها كتاب من تحقيقات شيخنا، حفظه الله».