وهجره الصاحب والرفيق .. وكره الناس لقاءه .. ومجالسته .. والحديث معه .. فأصبح وحيداً ..
طريداً .. شديداً .. ضاقت عليه نفسه .. ولم تسعه الأرض بما وصيت ..
* وشاءت إرادة الله أن يتطهر الحي من سلوكه .. وأن يرحم الله الناس من شروره .. فنقله عمله
إلى أقصى جنوب البلاد .. فسافر سعيداً عله يجد هنا لك قلبا لا يعرفه فيحبه ..
أو أذنا تسمع لقوله .. أو كريما يخدعه .. أو صالحاً يكيد له .. ولكنه الغريب الذي لا يعرف أحداً.
فاستبدّ به القلق .. واستوحش نفسه .. وأظلمت الدنيا في عينية وشعر بألم الغربة والوحدة ..
فذهب إلى بيت الله .. ينشد الراحة .. ويؤنس وحدته .. فلما دخل المسجد شعر بقشعريرة في بدنه
ورجفة في قلبه .. فانطلق إلى حيث يجلس شيخ المسجد على عجل .. وفي قلبه وجل .. وقصّ
على الشيخ قصته .. فعرف الشيخ أنه يسكن في بيت سيء السمعة ..
فتغير وجه الشيخ .. وغابت بسماته .. وتصّور أن واجبه الذي يفرضه عليه دينه .. أن يكشف له
عن بعض ما يعرفه أهل البلد عن البيت وصاحبته ..
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة .. ومن الخير إيصال الخير إلى الغير .. والغريب
أعمى ولو كان بصيراً.
فقال الشيخ في غضب: يا ولدي إن البيت الذي تسكن فيه سمعته سيئة .. وصاحبته أرملة ترفض
الزواج لتعيش كما تريد .. وخوفي عليك من التردى في الضلال يجعلني أنصحك طالباً منك أن
تبتعد عنها فهي كما قال الرجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن إمرأته لا ترديد لا مس
قال صلى الله عليه وسلم طلقها .. قال: أنا أحبها .. !!
قام الشاب .. وقبل يد الشيخ وعانقه وانصرف ..
فلما جنّ عليه الليل .. وأرخى سدوله .. وغارت نجومه وستره بظلامه .. شعر أن الشيخ قد أرشده إلى صيده بعد صبر طويل .. وتساءل في نفسه: كيف كان في غيبة عن جارته الحسناء …؟