إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمد عبده ورسوله، وبعد: فإنَّ مقاصد العباد ونياتهم محلُّ نظر الباري جلَّ وعلا، فالعبادة ما لم تقم على المقاصد الشرعية فإنها تعدُّ في ميزان الله هباء تذروه الرياح، وسرابًا إذا جاء صاحبه في اليوم الذي يجمع الله فيه الأولين والآخرين لم يجده شيئًا، ووجد الله عنده، فوفَّاه حسابه، والله سريع الحساب.
ومقاصد العباد تحتاج إلى تقويم وتشذيب ورعاية وعناية، ذلك أن النيات تقع موقع الأرواح من الأعمال، وتقوم مقام جذور الشجرة من السوق والفروع والأغصان، فكيف يكون حال الأجساد إذا نزعت منها الأرواح؟ وكيف يكون حال شجرة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار؟
ومن يطالع الكتاب الكريم، وسنة المصطفى المختار بتدبر وتأمل يعلم أنَّ الدّين الإسلامي عني بإصلاح مقاصد المكلفين ونياتهم عناية تفوق اهتمامه بأي مسألة أخرى، ذلك أن الأعمال تصبح مظاهر جوفاء، وصورًا صمّاء إذا خلت من المقاصد الصادقة الحقة.
وقد حمدت الله كثيرًا على أن وفقني جل وعلا إلى اختيار هذا الموضوع: "مقاصد المكلفين فيما يتعبد به لرب العالمين" كي يكون مجال بحثي في الرسالة التي أعدّها لنيل 'جازة (الدكتوراه) في الفقه المقارن من كلية الشريعة بجامعة الأزهر.
وقد ألزمت نفسي في بداية الأمر بالرجوع إلى الكتاب والسنة متدبرًا متأملاً، حتى إذا وقفت على النصوص التي تتصل بالموضوع عدت إلى ما تركه السلف الصالح من