فالعلماء الماديون ينظرون إلى الِإنسان نظرة مادية صرفة، فهم لا يعترفون بأنَّ في الِإنسان نفحة علوية، ولقد صوّر (فرويد) (?) الِإنسان بأنه مجموعة من الشهوات لا ترتفع عن الواقع المادي، ولا ينطلق من إسارها، فالِإنسان عند هؤلاء مخلوق مشدود إلى هذه الأرض، هي عالمه الذي يعيش فيه ويسعى إليه، وهي منتهى آماله، وغاية مطلوبه.

لقد ضلّ الإنسان وهو يبحث عن أقرب الأشياء إليه: نفسه، لقد أضاع نفسه، وهو يبحث عن نفسه. فريق أنكر حقيقة الإنسان عندما أنكر الروح التي تسري في كيانه، وفريق لم يستطع أن يتعرف على الروح معرفة حقّة، وإن آمن بوجودها، ونتج عن ذلك أن الغاية التي يجب أن يسعى إلى تحقيقها وإيجادها بقيت مجهولة، وأن المنهج الذي يجب أن ننهجه بقي غائبا، وبذلك بقي الِإنسان يعيش في متاهات، ويمضي في الحياة وهو لا يدري.

والموقف الحقّ لا يتمثل في أن نمضي في بحوثنا الرامية إلى معرفة حقيقة النفس الِإنسانية، فذلك سبيل ثبت فشله، وأعلمنا الله بأنَّ نيله لا يستطاع، وإنّما السبيل أن نتعرف على الغاية المثلى التي متى رسمت للنفس الِإنسانية تفاعلت معها، وعملت فيها خيرا، ووجهتها الوجهة التي تتحقق بها سعادتها وهناؤها، وهذا هو الذي جاءَنا به القرآن الكريم. وقد حلّ الإِسلام بذلك اللغز الذي قضى الإِنسان عمره وهو يبحث عنه، حلّه الإِسلام بأيسر سبيل، فالإنسان يطيق أن يتمثل الغاية ويسعى إلى تحقيقها، فيجد نفسه، ويحقق دوره، ويمضي إلى مطلوبه، وبذلك ترتفع عن كاهله الأعباء الجسام التي تراكمت بفعل الضلال الذي لفّ البشرية بسبب الجهل الكبير على مدى قرون متطاولة، وهذا ما سنحاول بيانه إن شاء الله تعالى في هذا الباب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015