ذهب الأعمُّ الأغلب من العلماء إلى أن التروك لا تفتقر إلى نيَّة (?)، وقد عللوا مذهبهم هذا بأنَّ التروك غير داخلة في الأعمال، فلا يشملها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنَّمَا الَأعْمَال بِالنيات"، فالعبد يخرج عن عهدة النواهي، وإن لم يشعر بها، فضلا عن القصد إليها.
وكون الترك فعلا أو ليس بفعل مسألة خلافية أصولية، وقد احتج القائلون بأن الكف ليس فعلا بأنَّ الفعل في اللّغةِ حركة البدن كلّه أو بعضه، والترك ليس فيه حركة اصلا.
وأقوى ما يستدلّ به للقائلين بأنّ الكفّ فعل القرآن الكريم، فقد سمَّى الله الترك فعلا في آيتين من كتابه.
الأولى: قوله تعالى: {لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} (?)، فترك الربانيين والأحبار نهيهم عن قول الإِثم وأكل السحت سمّاه الله في هذه الآية صنعا في قوله. {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}، أي وهو تركهم المذكور، والصنع أخص من مطلق الفعل، فصراحة الآية الكريمة على أنَّ الترك فعل في غاية الوضوح.
الآية الثانية: قوله تعالى: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (?)، أي وهو تركهم التناهي عن كل منكر، وصراحة دلالة هذه الآية على أنَّ الترك فعل واضحة.