فقوله: "إلاّ رَجُلٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِمَّا جَاءَ بهِ"، يدلّ على أن القول عمل، لأنَّ هذا الرجل لم يعمل شيئًا إلاّ أنَّه قال: لا إلَه إلاّ الله.
وفي مسند الإمام أحمد عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "مَا عَمِلَ آدَميٌّ عَمَلاً قَطّ أَنْجَى لَهُ مِنْ ذِكر الله" (?).
ولكن هل معنى ذلك أنَّ الأقوال لا تصحُّ شرعا ولا تكون إلا بالنيّات؟ إذا أردنا بالنيّات الِإخلاص فهذا صحيح، فالأقوال لا تقبل ما لم يكن القائل مريدا بها وجه الله تعالى كما قال عز وجل: {فَادْعوا اللَه مُخلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (?). وكما ثبت في الأحاديث أنّ من أول من تسعّر بهم النار يوم القيامة قارىء القرآن الذي يريد به ما عند الناس، والأدلّة على هذا كثيرة، وسيأتي بيانها في الباب الثاني إن شاء الله تعالي.
أما إذا أردنا بالنيّة قصد الفعل فالفقهاء يذهبون إلى أنَّ الأقوال: كالتكبير، والتسبيح، والتهليل، والتحميد، وقراءة القرآن، ... ونحو ذلك لا تحتاج إلى نية.
وحجّتهم في ذلك أن هذه الأعمال قربات متميّزة بنفسها، فالحكمة التي شرعت النيّة من أجلها: وهي تمييزُ العبادة عن العادة، وتمييز رتب العبادة - لا مكان لها هنا.
أما إذا وجدت حالة تحتاج إلى تمييز بعض الأقوال عن بعضها الآخر فإنّ النية تكون ضرورية في مثل هذه الحالة، فقد نصّوا على إيجاب النيّة على مَنْ نذر قراءة قرآن أو ذكر، تمييزًا للمنذور عن غيره (?).