وما ذهب إليه من أنَّ النية يجب أن تقارن الفعل، ولا يجوز أن تتقدمه، ليس له دليل عليه، فالعرب تطلق النيَّة على الفعل الحاضر المتحقق، كما تطلقها على الفعل المراد إتيانه مستقبلا، وقد سقنا فيما مضى قول إمام الحرمين (?) الذي يجعل النية شاملة للأمرين، وممن ذهب هذا المذهب الزركشي (?) في قواعده، فقد عدّ النيَّة مطلق القصد، يقول: "النية ربط القصد بمقصود معين، والمشهور أنَّها مطلق القصد إلى الفعل" (?).
ولعل الذي حدا بالكرماني إلى القول بأن النية لا بد أن تكون مقترنة بالفعل ولا يجوز تقدّمها هو ما تقرر لديه من وجوب مقارنة النيّة لأول العبادة، وهذه مسألة ليست اتفاقية كما سيأتي تحقيقها (?)، فغاية ما يمكن أن يقال: إنَّ اشتراط اقتران النية بالفعل اصطلاح خاص لطائفة من العلماء، وليس لهم أن يلزموا غيرهم بقولهم هذا. ويردُّ ما فرق به ثانيًا من أنَّ العزم يقبل القوة والضعف، فهو أمر زائد على أصل النية- أن مدلول العزم والنيّة في اللغة متقارب، وقد نبَّه إلى ذلك العيني رحمه الله، فقد نقل تعقيب الكرماني على النووي، وخطأه في رفضه تفسير النيّة بالعزم، ثم قال: "العزم هو إرادة الفعل والقطع عليه، والمراد من النيّة هنا هذا المعنى، فلذلك فسَّر النووي القصد الذي هو النيّة بالعزم فافهم".