وممّا يدلّ على ذلك صراحة قوله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه في غزوة تبوك: "إن بالمدينة رجالا ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم، حبسهم العذر"، فأخبر أن القاعد بالمدينة الذي لم يَحْبسه إلا العذر هو مثل من معهم في هذه الغزوة.
وما أحسن قول القائل:
يَا سَائِرينَ إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ لَقَدْ ... سِرْتُمْ جُسومَا وَسِرْنا نَحْنُ أَرْواحَا
إِنّا أَقَمْنَا عَلَى عُذْرٍ وَعَنْ قَدَرٍ ... وَمَنْ أَقَامَ عَلَى عذْرٍ فَقَدْ رَاحَا (?)
6 - قوله تعالى: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُون} (?)، قال القرطبي: "الإِصرار العزم بالقلب على الأمر وترك الإِقلاع عنه.
وقال قتادة: "الإصرار الثبوت على المعاصي" (?).
وقال ابن المبارك (?): "المصر الذي يشرب الخمر اليوم، ثم لا يشربها إلى شهر، وفي رواية إلى ثلاثين سنة، ومن نيته إذا قدر على شربها شربها" (?).
والآية دليل على أنَّ الإِنسان يؤاخذ بما وطَّن عليه ضميره، وعزم عليه بقلبه، فالِإصرار معصية اتفاقا، فمن صمَّم على المعصية كتبت عليه سيئة، فإذا عملها كتبت عليه معصية ثانية، قال النووي: "وهذا ظاهر حسن لا مزيد عليه، وقد تظاهرت نصوص الشريعة بالمؤاخذة على عزم القلب المستقر" (?).