يفعل وما يقول؛ خاصة والنفوس في الأموال شحيحة، وهي عليه جدّ حريصة. أما وقوع التلفظ باللّسان وعدم حصول ذلك بالقلب من واع مدرك لما يفعل وما يقول فهو أمر لا يتصور حصوله، لأنَّ المرء متى علم بوجوب فعل أمر عليه، ثم توجّه إلى الفعل فإنَّه لا بد أن ينويه، فكيف يتصور منه أن يتلفظ به، ولا ينويه بقلبه! هذا محال.
إذا وضح هذا اتضح أن ما ذهب إليه القفال غير صحيح، لأنه لا يمكن حصوله، وما استدل به لا ينهض للاحتجاج على المدعى.
فقد احتج بأنَّ الزكاة تخرج من مال المرتد ولا تصحّ نيته، فالتلفظ من غير نيّة جائز من باب أولى، والجواب: أن إخراج الزكاة من مال المرتد من غير نية أمر ممكن الحصول، وهذا غير ممكن، وكون ذلك يجزىء المرتد مسألة خلافية.
وأمّا استدلاله بجواز النيابة في أداء الزكاة، ولو كانت نيّة القلب متعينة لوجب على المكلف بها مباشرتها، لأن النيات سر العبادات والإِخلاص فيها، فإنه منقوض بالحج والعمرة، فالنيابة فيهما جائزة، ولا تصحان إلاّ بالنية باتفاق.
وأما أنَّ القول بذلك هو مذهب الشافعي فعندي فيه نظر، وسأنقل نصّ عبارة الشافعيّ في الأم، ثم أبين مأخذهم منها، وما تبين لي فيها.
يقول الشافعي رحمه الله: "وإنما قلت: لا تجزىء الزكاة إلاّ بنية؛ لأنَّ له أن يعطي ما له فرضا ونافلة، فلم يجز أن يكون ما أعطى فرضا إلا بنية. وسواء نوى في نفسه أو تكلم بأن ما أعطى فرض".
ثم (قال الشافعي رحمه الله): "وإنما منعني أن أجعل النية في الزكاة كنيّة الصلاة لافتراق الزكاة والصلاة في بعض حالهما، ألا ترى أنه يجزىء أن يؤدي الزكاة قبل