"النية المعهودة في العبادات تشتمل على أمرين: على قصد العبادة، وقصد المعبود" (?).
ويقول: "قصد العبادة بها تتميز أنواع العبادات وأجناس الشرائع ... ، وقصد المعبود هو الأصل الذي دلّ عليه قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (?)، وبه يتميز من يعبد الله مخلصا له الدين ممن يعبد الطاغوت، وهو الدين الخالص الذي تشترك فيه جميع الشرائع (?) (?).
لماذا بدأنا بقصد العبادة في قصد المعبود؟
لا يتقدم المرء إلى الفعل إلاّ إذا وضح الهدف الذي يجعله يقدم على القيام به، ولذلك كان حريا بنا أن نبدأ بمباحث (الإخلاص)، لأنها تمثل الهدف والغاية، إلا أن العامل وإن كان الهدف البعيد هو الذي يحركه- أول ما يبدأ به من الناحية الفعلية العمل، وهذا معنى قولهم: "أول العمل آخر الفكرة، وأول الفكرة آخر العمل"، يقول ابن خلدون: "فلا يتمّ فعل الإنسان في الخارج إلا بالفكر في هذه المرتبات لتوقف بعضها على بعض، ثم يشرع في فعلها، وأول هذا الفكر هو المسبب الأخير، وهو آخرها في العمل، وأولها في العمل هو المسبب الأول، وهو آخرها في الفكر، ولأجل الحصول على هذا الترتيب يحصل الانتظام في أفعال البشر".
وكان قد ضرب مثلاً من قبل كلامه هذا يوضح الأمر بشيء محسوس، فقال: "لو فكّر في إيجاد سقف يكنّه انتقل بذهنه إلى الحائط الذي يدعمه، ثم إلى الأساس الذي يقف عليه الحائط، فهو آخر الفكر، ثم يبدأ في العمل بالأساس ثم بالحائط ثم بالسقف وهو آخر العمل، وهذا معنى قولهم: أول العمل آخر الفكرة، وأول الفكرة آخر العمل" (?).