بالعزلة والانقطاع أقبح من اغترار هَذَا لِأَن ذَلِك اغترار بمندوب لَيْسَ بمفروض وَلَيْسَت رتبته فِي المندوبات كرتبة الْقيام وَالصِّيَام وَالْحج والغزو وَلَا يَقع إِلَّا وَاجِبا لِأَن الصُّفُوف إِذا الْتَقت تعين الْقِتَال
النَّوْع الْعَاشِر الاغترار برعاية التَّقْوَى الظَّاهِرَة والباطنة والاهتمام بتقديمها على غَيرهَا من الطَّاعَات المسنونات والمندوبات مَعَ اعْتِقَاد أحدهم التوحد فِي عصره وَأَنه النَّاجِي دون غَيره وَهُوَ لَو سلمت تقواه لَهُ لم يَأْمَن أَن يحبط الله تقواه بِمَا يَقع مِنْهُ فِي الِاسْتِقْبَال أَو أَن يعذبه بِمَا تقدم من ذنُوبه قبل تقواه
وينتفي الاغترار بذلك بِأَن يعرض تقواه على تقوى سلف هَذِه الْأمة وخوفه على خوفهم ووجله على وجلهم واستشعار نَفسه على استشعار أنفسهم فقد كَانُوا كَمَا وَصفهم رَبهم بقوله {وَالَّذين يُؤْتونَ مَا آتوا} من التَّقْوَى وَالطَّاعَة {وَقُلُوبهمْ وَجلة أَنهم إِلَى رَبهم رَاجِعُون} أَي خائفة من رجوعهم إِلَى جَزَاء رَبهم وَلَقَد انْتهى بهم الوجل وَالْخَوْف إِلَى أَن تمنى أحدهم أَن يكون شَجَرَة تعضد وَتمنى بَعضهم أَن يكون كَبْشًا سمنه أَهله فذبحوه وأكلوه وَقد كَانَ سيد الْأَوَّلين والآخرين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخوفهم لله تَعَالَى مَعَ أَن هَذَا المغتر بتقواه لَا يَأْمَن أَن يكون ضيع من التَّقْوَى مَا يحبط تقواه