إِنَّمَا يفرق المريد بَين الْفِعْل الْحسن والقبيح بِالْكتاب وَالسّنة إِن كَانَ عَارِفًا بذلك فَإِن الْتبس عَلَيْهِ الْفِعْل الْحسن بالقبيح فليكف عَنهُ وَلَا يعزم على إقدام وَلَا إحجام حَتَّى يسْأَل عَن ذَلِك من يعرفهُ من عُلَمَاء الشَّرِيعَة لِأَن التباس الْمحرم بالمحلل مَانع عَن الْإِقْدَام على مَا لَا يعرف حَلَاله من حرَامه
وَأما المحاسبة فِي مُسْتَقْبل الْأَعْمَال الصَّالِحَات فَإِنَّهَا مَبْنِيَّة على معرفَة رتب الطَّاعَات وَمَا يجب تَقْدِيمه مِنْهَا أَو توسطه أَو تَأْخِيره فَإِن الشَّيْطَان إِذا يئس من التائب أَن يُوَافقهُ على الْمعاصِي الظَّاهِرَة دس عَلَيْهِ معاصي خُفْيَة لَا يشْعر بهَا فيأمره بِتَقْدِيم طَاعَة أوجب الله تَعَالَى تَأْخِيرهَا أَو توسيطها أَو يَأْمُرهُ بِتَقْدِيم طَاعَة أوجب الله تَعَالَى تَقْدِيمهَا أَو توسيطها كل ذَلِك ليخسر العَبْد من حَيْثُ لَا يعلم
وَقد توَافق النَّفس الشَّيْطَان على ذَلِك فِرَارًا من أثقل العبادتين وأشقهما إِلَى أخفهما وأرفقهما وَطَرِيقَة فِي النجَاة من ذَلِك أَنه إِذا خطرت لَهُ حَسَنَة فَلَا يقدم عَلَيْهَا حَتَّى ينظر أَهِي مِمَّا قدمه الله أَو مِمَّا أَخّرهُ أَو مِمَّا وَسطه فَإِن كَانَت مِمَّا قدمه الله فِي ذَلِك الْوَقْت على سَائِر الطَّاعَات فَلَا يقدم عَلَيْهَا حَتَّى يخلصها لله عز وَجل وَلَا يرد بهَا سواهُ
وَإِرَادَة الله تَعَالَى بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَات أَقسَام أَحدهَا أَن يعْمل لَهُ طَمَعا فِي ثَوَابه