وفروضها، تحت شعار التوفيق بين الدين والفلسفة، وكان الأحرى بهم أن يخضعوا الفلسفة للدين. ويشابه هذا الموقف الذي واجهه المجتمع المسلم في القرن الخامس الهجري أمام معارف اليونان، الموقف الذي يواجهه المسلمون في هذا العصر أمام الحضارة الغربية وعلومها (?).

ويصور الغزالي هذه الحالة بهذه الكلمات:

". . . أما بعد فإني قد رأيت طائفة يعتقدون في أنفسهم التميز عن الأتراب والنظراء بمزيد الفطنة والذكاء، قد رفضوا وظائف الإسلام من العبادات واستحقروا شعائر الدين من وظائف الصلوات والتوقي عن المحظورات، واستهانوا بتعبدات الشرع وحدوده، بل خلعوا بالكلية ربقة الدين. وإنما مصدر كفرهم سماعم أسماء هائلة كسقراط وبقراط وأفلاطون وأرسطوطاليس (?) وأمثالهم، وإطناب طوائف من متبعيهم في وصف عقولهم وحسن أصولهم ودقة علومهم، وحكايتهم عنهم أنهم مع رزانة عقولهم وغزارة علومهم منكرون للشرائع والنحل، وجاحدون لتفاصيل الأديان والملل. فلما قرع ذلك سمعهم ووافق ما حكى من عقائدهم طبعهم، تجملوا باعتقاد الكفر تحيزًا إلى غمار الفضلاء بزعمهم، وانخراطًا في سلكهم وترفعًا عن مسايرة الجماهير والدهماء" (?).

فلما رأى الغزالي هذه الحالة أقبل على دراسة الفلسفة وتمحيصها وحذقها، لينتقدها نقد الخبير المتخصص. وقد كانت ثمرة مطالعات الغزالي وقراءاته في الفلسفة، أن جمع أولًا خلاصة أفكار الفلاسفة وآرائهم، وعرضها عرضًا سهلًا ميسرًا كما هي دون نقد في كتاب عنوانه: "مقاصد الفلاسفة"، وكان ذلك العمل تمهيدًا لمناقشتها ونقدها (?). ثم بعد ذلك تعرض لمباحثها في موضوع الإلهيات التي تتعارض مع عقائد الدين، فناقشها مسألة مسألة وبيَّن أوجه الخطأ فيها، وضم تلك المباحث في كتاب جعل عنوانه: "تهافت الفلاسفة".

والنتائج التي توصل إليها الغزالي من الفلسفة بعد الدراسة والتحقيق يمكن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015