أصول الديانة" وهو من آخر كتبه تأليفًا ونكتفي منه بهذا الاقتباس:
"فإن قال قائل: قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة، فعرفونا قولكم الذي تقولون وديانتكم التي بها تدينون، قيل له: قولنا الذي نقول وديانتنا التي ندين بها، التمسك بكتاب الله وسُنَّة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون وبما كان عليه أحمد بن حنبل نضر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته قائلون، وعمن خالف قوله مجانبون؛ لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل الذي أبان الله به الحق عند ظهور الضلال، وأوضح به المنهج وقمع به بدع المبتدعين وزيغ الزائغين وشك الشاكين، فرحمة الله تعالى عليه من إمام مقدم وجليل معظم وكبير مفهم، ورحمته على جميع أئمة المسلمين" (?)،. . . ثم أورد تفاصيل العقائد التي يدين بها.
والناحية الثالثة: من نواحي أعمال الأشعري التصحيحية هي ما خلّفه وراءه من مدرسة نسبت إليه وتسمت باسم الأشعرية، أنجبت تلاميذ أذكياء وشخصيات قوية، حملت الراية من بعده وصارعت المعتزلة صراعًا لم تقم لهم بعده قائمة، واستمرت تؤثر في الفكر الإسلامي قرونًا عديدة، ومن هؤلاء التلاميذ (?): القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني (ت 403 هـ)، وأبو إسحق إبراهيم بن محمد الإسفراييني (ت 418 هـ)، وكلاهما قد رشح لمنصب التجديد في المائة الرابعة.
النموذج الثاني من المجددين الذين لهم جهود مرموقة في تصحيح الانحرافات هو الإمام أبو حامد الغزالي (450 - 505 هـ) الذي يلقب (بحجة الإسلام) شهادة له بالسبق الذي أحرزه في هذا الميدان. والغزالي من نوابغ أعلام الإسلام، وشخصية فذة اجتمعت فيها مواهب عديدة، فقد كان - رضي الله عنه - شديد الذكاء، سديد النظر، قوي الإدراك، ذا فطنة ثاقبة، وغوص في المعاني (?). وبجانب ذلك كانت له نفس قلقة مولعة بالاستقلال، تكره الجمود والتقليد، فلم