وقد عمل عمر بن عبد العزيز جاهدًا لإعادة هذه الخصيصة الهامة من خصائص الخلافة الراشدة. فعمر نفسه يُعد من كبار علماء التابعين حتى قيل: كانت العلماء عند عمر بن عبد العزيز تلامذة (?)، وقد ظهر عليه منذ الصغر الحرص على تعلم العلم والرغبة في الأدب، وأرسله أبوه وهو حديث السن إلى المدينة المنورة، فجالس علماءها وتأدب بآدابهم (?)، وجالس بعض الصحابة منهم أنس بن مالك وروى عنهم الحديث (?)، وأثنى أنس على حسن اقتداء عمر بن عبد العزيز بالرسول - صلى الله عليه وسلم - حين كان عمر واليًا على المدينة المنورة فقال: ما صليت وراء إمام أشبه صلاة بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا الفتى (?). وكان عمر قبل الخلافة على قدم الصلاح أيضًا إلا أنه كان يبالغ في التنعم (?). ويُعد عمر من فقهاء الأمة المجتهدين حتى قال عنه أحمد بن حنبل: لا أدري قول أحد من التابعين حجة إلا قول عمر بن عبد العزيز (?).
وحين ولي الخلافة كان أحد أعماله البارزة الاهتمام بإصلاح الأخلاق، فكان كثير الخطب والمواعظ، يكتب إلى عماله يأمرهم بالخير وينهاهم عن الشر، ويبين لهم الحق ويوضحه لهم ويعظهم (?)، وخطبه ومواعظه ورسائله في ذلك كثيرة ومشهورة، وكان من آثار هذا الإصلاح ما يقول عنه الطبري في تاريخه مقارنًا عهد عمر بعهود الحكام السابقين له:
"كان الوليد صاحب بناء واتخاذ المصانع والضياع، وكان الناس يلتقون في زمانه فإنما يسأل بعضهم بعضًا عن البناء والمصانع. فولي سليمان فكان صاحب نكاح وطعام، فكان الناس يسأل بعضهم بعضًا عن التزويج والجواري، فلما ولي عمر بن عبد العزيز كانوا يلتقون فيقول الرجل للرجل: ما وراءك الليلة؟ وكم