ليس المراد من ذلك أن تكون وفاة المجدد عند نهاية القرن، بالرغم من أن ذلك هو الشائع وهو ظن الكثيرين، إذ أن كلمة (البعث) تدل على الإرسال والإظهار، والوفاة قبض وأخذ، وليست بعثًا أو إرسالًا. فالظاهر أن المراد أن تأتي نهاية القرن على المجدد وهو حي يقوم بعمل التجديد ويتصدى للإصلاح قد اشتهر بذلك وعرف عنه (?).
ولكن لما كان المرء لا يتأهل لهذه المرتبة ولا يصل إلى أن يكون مشارًا إليه في العلم قائمًا بأمر الإصلاح والتجديد إلا بعد أن تمضي فترة غير قصيرة من عمره، أو بعد أن تتقدم به السن غالبًا، فلهذا قد تختتم حياة المجدد قريبًا من نهاية القرن. ومن الأمثلة على ذلك عمر بن عبد العزيز الذي لا خلاف بين السلف في أنه مجدد القرن الأول وقد كانت وفاته سنة إحدى ومائة، وله أربعون سنة، ومدة خلافته سنتان ونصف، وهي المدة التي كانت فيها جهوده الإصلاحية. والشافعي مجدد القرن الثاني توفي سنة أربع ومائتين.
وتطبيقًا لهذه القاعدة -وهي ظهور المجدد واشتهاره عند نهاية القرن- لم يدخل السلف في المجددين كثيرًا من المشهورين في أثناء القرن، فأحمد بن حنبل مثلًا، بالرغم من الاعتراف له بالفضل، والاعتراف له بتقديم وتصحيح الدين، إلا أن اسمه لا يرد في إحصائية المجددين التي قدمها ابن عساكر، أو ابن الأثير، أو السبكي، أو الزين العراقي، أو السيوطي (?). ونجد أن ابن الأثير يذكر صراحة أنه استبعد أحمد بن حنبل من قائمة المجددين ويقول في ذلك: "وأما أحمد بن حنبل فلم يكن يومئذ -يعني: عند رأس القرن- مشهورًا فإنه مات سنة إحدى وأربعين ومائتين" (?).
فنهاية القرن إذن هي التوقيت الزمني لكل دورة من دورات التجديد، وقد جعل السلف هذا التوقيت إحدى القواعد لضبط وحصر المجددين. فإذا انضم هذا التوقيت إلى بقية المقاييس التي ذكرناها، من الصفات التي يطلب توفرها في